بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.
أما بعد،،،،
النشـــوز:
كلمة نشوز تعنى الخروج والإرتفاع يقال مكان ناشز أى خارج عن مستوى الشئ.. وامرأة ناشز أى خارجة عن طاعة زوجها.
النشوز: هو العصيان والمخالفة والإرتفاع.
والمرأة الناشز هى (1) التى عصت زوجها ، (2) وخالفت أمره ، (3) وأمتنعت عن تأديه حقه ، (4) وتطاولت عليه…
(وللرجال عليهن درجة) كما أخبرنا الله عز وجل فى كتابه الكريم.
وأخبر الله تعالى أن للرجل على المرأة درجة لم ترقها المرأة ولم تكن لها وهى القيومية من قوله تعالى فى سورة النسآء الآية (34):
(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ).
فإن قصرت المرأة فى حق من حقوق زوجها كانت ناشزاً.
والنشوز له صور منها:
(1) عدم طاعة الزوج وعصيانه فيما طلب.
(2) الخروج من البيت بدون إذنه.
(3) السفر بدون إذنه فإن المرأة إذا سافرت بدون إذن زوجها فقد علمنا الرسول – صلى الله عليه وسلم – أنها غير مؤمنة مصداقاً لحديثه: (لا يحل لأمرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسافة القصر بدون إذن زوجها) (80 ك).
(4) إذا دعا الزوج زوجته فأبت بدون عذر من مرض أو غيره فإنها تعُد ناشزاً.
وقد ورد عن أهل العلم إذا استمرت فى نشوزها ودُعيت إلى طاعة زوجها فأبت فإن أول ما يجب فعله معها وهو سقوط نفقتها لأن النفقة نظير الطاعة والإحتباس ومادامت الطاعة قد فقدت فلا داعى للنفقة….
ماذا يفعل الزوج إذا لاحظ النشوز فى سلوك زوجته؟؟
(1) فإن خاف من نشوزها وعظها لئلا تقع فى النشوز.
(2) فإن وقعت فى النشوز فعلاً هجرها فى المضجع.
(3) وإن تكرر منها النشوز ضربها.
(4) فإن استجابت وعادت إلى رشدها فليس للرجل بعد ذلك عليها ويؤدى لها حقها بالمعروف – مصداقاً لقوله تعالى فى سورة النسآء الآية (34):
(وَالَّلاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا).
فإنه تعالى يرشد الأزواج إلى كيفية علاج الزوجة إذا نشزت أى ترفعت على زوجها ولم تؤدى إليه حقوقه الواجبة له بمقتضى العقد بينهما.
حقوق الزوج الواجبة له بمقتضى العقد:
كأن يأمرها فلا تُطيع ويدعوها فلا تجيب وينهاها فلا تنتهى فاسلُكُوا معهن السبيل الآتي: (1) فعظوهن ، الوعظ تذكيرها بما للزوج عليها من حق يجب أداؤه وما يترتب على إضاعته من سخط الله تعالى وعذابه – فالوعظ ترغيب بأجر الصالحات القانتات – وترهيب من عقوبة المفسدات العاصيات ، فإن نفع الوعظ فيها وإلا (2) أن يهجرها الزوج فى الفراش فلا يكلمها وهو نائم معها على فراش واحد وقد أعطاها ظهره ولا يجامعها وليصبر على ذلك حتى ترجع إلى طاعته وطاعة الله ربهما معاً وإن أصرت ولم يجد معها الهجران فى الفراش (3) أن يضربها ضرباً غير مُبرح (لا يشين) جارحة ولا يكسر عضواً.
وأخيراً فإن هى أطاعت زوجها فلا يحل بعد ذلك أن يطلب الزوج طريقاً إلى أذيتها.
(فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً) سورة النسآء الآية (34).
إذا الزوجة أطاعت زوجها أى لا تطلبوا بإختلاق الأسباب وإيجاد العلل والمبررات لأذيتهن. فإن كان الرجل قد تعود من امرأته أنه إذا أمرها أطاعته وإذا دعاها أجابته ثم رأى منها بعض الصدود والتجهم من غير سبب معروف بأن لم تكن حائضاً ولا نفساء ولا مريضة وليس هناك من أحزنها من أولادها أو جيرانها – وخاف أن يؤدى بها هذا التجهم والصدود إلى الوقوع فى النشوز – (1) ذكرها بما أعده الله تعالى الطائعين والطائعات والعاصين والعاصيات وذكرها بما له عليها من حق ، فإن لم تتعظ (2) هجرها فى المضجع أن لا يجامعها فإن ذلك يجرحها ويقضى على سلاح فتنتها الذى تحاول أن تشهره على الرجل دائماً ، فإن لم تستجب بالوعط ولا بالهجر جاز له أن يضربها ضرباً غير مُبرح غير شديد.
لا يشين جارحة: لا يضرب ضرباً يشوه ولا يجرح
ولا يدمى ولا يكسر عظماً – ولا ينهش لحماً- ولا يديم الضرب على عضو واحد – وليتجنب الضرب على المواضع التى يخشى منها الضرر – ويبعد عن الوجه…
وروى أحمد وابن جرير والنسائى وأبو داود وابن ماجه أحد الصحابة سأل النبى – صلى الله عليه وسلم: ما حق المرأة على الرجل؟ قال: (1) أن تطعمها إذا طعمت ، (2)وأن تكسوها إذا اكتسيت ، (3) ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا فى البيت.
وإذا كان الله تبارك وتعالى قد أباح للرجل أن يضرب امرأته عند النشوز المتكرر – فإنه رغبهُ فى العفو والصفح ودعاه إلى الحلم والصبر وذلك فى كثير من الآيات:
منها كما جآء فى سورة التغابن الآية (14):
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
(إن الله يغفر لمن يغفر ويرحم من يرحم).
إن من أزواجكم وأولادكم عدواً: أى من بعض أزواجكم وبعض أولادكم عدواً أى يشغلونكم عن طاعة الله أو ينازعونكم فى أمر الدين أو الدنيا.
فاحذروهم: إن تطيعوهم فى التخلف عن فعل الخير كترك الهجرة أو الجهاد أو صلاة الجماعة أو التصدق على ذوى الحاجة.
وإن تعفُوا: عمن ثبطكم عن الخير من زوجه وولد.
وتصفحُوا وتغفروا: وتعرضوا عنهم وتغفروا لهم ما عملوه معكم من تأخيركم عن أبواب الخير مثل الهجرة أو الجهاد أو الإنفاق فى سبيل الله.
ولنا فى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أسوة حسنة فما (1) ضرب أمرأة قط ، (2) ولا أنتهر خادماً وإنما كان يعفو ويصفح..
روى الشافعى أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم قال: (لا تضربوا إماء الله ، قال فأتاه عمر بن الخطاب – رضى الله عنه فقال: يارسول الله ذئر النسآء على أزواجهن (أجترأ عليهم) فأذن فى ضربهن فأطاف بآل محمد عليه الصلاة والسلام نسآء كثير كلهن يشتكين أزواجهن فقال النبى – صلى الله عليه وسلم: (لقد أطاف الليلة بآل محمد نسآء كثير أو قال: سبعون امرأة كلهن يشتكين أزواجهن فلا تجدون أولئك خياركم).
ومعنى ذلك إن الأخيار هم الذين لا يضربون نسآءهم ولكن يعفون ويصفحون فهو ترغيب فى العفو مع إباحة الضرب عند الضرورة القصوى.
نشوز الزوج:
وإن خافت المرأة من أن يفارقها زوجها لكبر سنها أو لعدم إنجابها جاز لها أن تتنازل له عن بعض حقها فى النفقة والسكن من أجل أن يمسكها على نفسه ولا يطلقها.
وللزوج أن يقبل ما وهبته له وتنازلت عنه عن طيب خاطر (نفس) منها.
مصداقاً لقول الله تعالى فى سورة النسآء الآية (128):
(وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا).
فقد تضمنت هذه الآية حكماً عادلاً رحيماً وإرشاداً ربانياً سديداً وهو أن الزوجة إذا توقعت من زوجها نشوزاً أى ترفعاً وعدم طاعة أو إعراضاًَ عنها – وذلك لكبر سنها أو لقلة جمالها وقد تزوج عليها غيرها فى هذا الحال فى الإمكان أن تجرى مع زوجها صلحاً يحفظ لها بقاءها فى بيتها عزيزة محترمة – فتتنازل له عن بعض حقها فى الفراش وعن بعض ما كان واجباً لها وهذا خير لها من الفراق… ولذا قال تعالى: (الصلح خير) – (وأحضرت الأنفس الشح) يريد أن الشح ملازم للنفس البشرية لا يفارقها والمرأة كالرجل فى هذا إلا أن المرأة أضن وأشح بنصيبها فى الفراش وبباقى حقوقها من زوجها. إذا فليراع الزوج هذا ولذا قال تعالى: (وإن تحسنوا) أيها الازواج إلى نسآءكم (وتتقوا) الله تعالى فيهن فلا تحرموهن مالهن من حق فى الفراش وغيره فإن الله تعالى يجزيكم بالإحسان إحساناً وبالخير خيراً ، فإنه تعالى (بما تعملون خبير).
ومن السنة: فقد خافت سودة بنت زمعة أن يطلقها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لكبر سنها ولعدم رغبتها فى الجماع فقالت لرسول الله: أمسكنى – وليلتى لعائشة فقبل منها ذلك كما صرحت بذلك الروايات.
وروى البخارى ومسلم:
عن عائشة – رضى الله عنها قالت: لما كبرت سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة ، فكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقسم لها بيومها ويوم سودة.
الشقاق بين الزوجين:
إن نشزت المرأة عن زوجها خالفت أمره ولم تستجب له بالوعظ والهجر والضرب – وخاف أوليآء الزوج أو أولياء الزوجة من (1) إحتدام النزاع والشقاق بينهما – وجب على من يُعنيهم الأمر أن يبعثوا حكمين صالحين مشهورين بالعدالة حكماً من أهله – وحكماً من أهلها لينظروا فى أمرهما فإن رأيا أن يجمعا بينهما جمعا وإن رأيا التفريق بينهما فرقا. مصداقاً لقوله تعالى فى سورة النسآء الآية (35):
(وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا).
إن كان قصدهما (1) الإصلاح ، (2) والجمع بين الزوجين ، (3) وإزالة الشقاق والخلاف بينهما ، فإن الله تعالى يعينهما على مهمتهما ويبارك فى مسعاهما ويكلله بالنجاح.
شقاق بينهما: الشقاق: المنازعة والخصومة حتى يصبح كل واحد فى شق مقابل.
وقوله تعالى: (إن الله كان عليماً خبيراً) ذكر تعليماً لما واعد به تعالى من التوفيق بين الحكمين – إذ لو لم يكن عليماً خبيراً ما عرف نيات الحكمين وما يجرى فى صدورهما من إرادة الإصلاح أو الإفساد.
ولا شك أن الشارع الحكيم يتشوق إلى التوفيق بين الزوجين ويكره الشقاق والتفريق لهذا قال جل شأنه: (إن يريدا إصلاحاً يوفق اللهُ بينهما) والضمير فى الآية يعود على الحكمين وقيل يعود على الزوجين.
وقال ابن عباس – رضى الله عنهما:
أمر الله عز وجل أن يبعثوا رجلاً صالحاً من أهل الرجل ورجلاً مثله من أهل المرأة – فينظران أيهما المسئ ، فإن كان الرجل هو المسئ – حجبوا عنه امرأته وألزموه بالنفقة وإن كانت المرأة هي المسيئة – قصروها على زوجها ومنعوها النفقة ، فإن اجتمع رأيهما على أن يفرقا أو يجمعا فأمرهما جائز فإن رأيا أن يجمعا فرضى أحد الزوجين وكره ذلك الآخر ثم مات أحدهما فإن الذى رضى يرث الذى كره ولا يرث الكاره الراضى.
(رواه ابن أبى حاتم).
( والحمدلله رب العالمين )