بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.
أما بعد،،،،
إن الأمم إنما تعلو وتتقدم وتنتصر وتزدهر حياتها بعنصرين مهمين ، عنصر الصدق وعنصر العدل. فإذا شاع الصدق في أى أمة وشاع العدل في هذه الأمة بشرها بالإنتصار وبشرها بالإزدهار والرخاء والتقدم والرُقى.
وقد جعل الإسلام هذين العنصرين الصدق والعدل من أهم مكونات العدل المسلم كفرد والأمة المسلمة كشعب.
الصدق والعدل وبنى عليهما الإسلام كل خير يأتي للأفراد وللأمم – بل جعل الله الصدق والعدل من صفاته سبحانه وتعالى صفات الله العليا وأسماء الله الحسني ومثله الأعلى في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم.
وهناك آية في القرآن في سورة الأنعام 115 ، آية قصيرة لا تزيد عن سطر واحد إلا أن فحواها ومغزاها ومعناها عظيم وكبير وهي:
(وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
صدق الله العظيم وبلغه رسوله الكريم ، (وتمت كلمة ربك).
كلام الله هو مصدر كل كائن في هذه الحياة ، فالله عز وجل إذا أراد أمراً يقول له كن فيكون ، كُلُ كائن كل مولود في السماء فى الأرض ، فيما بينهما وفيما ورائهما مما نعلم ومما لا نعلم ، كُلُ كائن أراد الله إيجاده قال له كن فيكون مصداقاً لقوله تعالى في سورة القمر الآية (50):
(وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ).
بمعنى: شأن الله في الخلق والإيجاد إلا مرة واحدة لا تحتاج إلى تأكيد بثانية كلمح البصر في السرعة لا يتأخر طرفة عين.
فالله عز وجل أخبر في هذه الآية من سورة الأنعام أن كلماته كلها مبنية على عنصرين أساسيين هما عنصر الصدق وعنصر العدل (وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً).
أما الصدق فى أخبار الله عز وجل ، فهو عمن مضى أو عمن حضر أو عمن سيستقبله في المستقبل فهو صادق ، لا كذب فيه ولا باطل للحق أبداً.
الصدق في كل خبر أخبر به والعدل في كل قضاء قضاه الله عز وجل فكلامه صدق وقضاءُه عدل.
مثال: إذا أخبرنا الله عز وجل بأنه خلق الجآن قبل آدم.
(وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ) سورة الحجر الآية(27).
بمعنى: ومن قبل آدم خلقنا الجآن – أى الشياطين ورئيسهم إبليس من نار السموم وهى النار الحارة الشديدة التى تنفذ فى المسام فتقتل بحرها – قال المفسرون: ذكر الله عز وجل هنا الجآن ويقصد به إبليس أبا الجن – لأن منه تناسلت الجن فهو أصل لها كما أن آدم أصل للإنس.
هذا خبر صادق.
(2) وإذا قال الله تعالى إنه خلق آدم من تراب أو من مآء أو من طين – فالله صادق (تمت كلمته صدقاً فيما أخبر).
(3) وإذا أخبرنا الله عز وجل بأنه نبه على آدم وعلى زوجته حواء أن لا يأكلا من الشجرة ، وعصيا أمر ربهما سهواً ونسياناً وأكلا من الشجرة وأخرجهما الله من الجنة مع إبليس وقال سبحانه وتعالى:
(وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ). سورة البقرة الآية (36).
بمعنى: قال الله تعالى: اهبطوا من الجنة إلى الأرض والخطاب هنا لآدم وحواء وإبليس – ويكون الشيطان عدو لكم فكونوا أعداء له ولكم في الدنيا موضع إستقرار بالإقامة فيها وتمتعوا بنعيمها إلى وقت إنقضاء آجالكم.
فإن هذا أمر صدق لأنه إخبار من الله الذى لا يكذب أبداً.
(4) وإذا أخبرنا الله عز وجل بأنه خلق نبياً يسمى نوحاً وعصاهُ قومُهُ وعبدوا الأصنام فأرسل الله عليهم الطوفان فكتسحهم ولم يُبقى في الدنيا إلا المؤمنين (وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ) سورة هود الآية (40).
وما آمن بنوح إلا نزر يسير (عدد قليل) مع طول إقامته بينهم وهي مدة تسعمائة وخمسين سنة ، وقال ابن عباس: كانوا ثمانين نفساً منهم نساؤهم – وقال كعب: كانوا اثنين وسبعين نفساً ، وقيل: كانوا عشرة وهو فى مختصر ابن كثير.
هذا أيضاً خبر صدق ، لأن هناك نوح وهناك طوفان وهناك كفره هلكوا من الطوفان – وهناك مؤمنون نجوا.
(5) وإذا أُخبرنا عن قوم عاد بأن الله الذى أرسل لهم نبياً كريماً يسمى هوداً وأنهم أصرُوا على ما كفروا به وأفسدوا وقد أهلكهم الله بالريح مصداقاً لقوله تعالى في سورة الحاقة الآية (6 : 8):
(وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ)(8).
بمعنى: سلطها الله عليهم سبع ليالي وثمانية أيام متتابعة لا تفتر ولا تنقطع – وكانوا أصول نخل متآكلة الأجواف ، قال المفسرون: كانت الريح تقطع رؤوسهم كما تقطع رؤوس النخل ، وتدخل من أفواههم وتخرج من أدبارهم حتى تصرعهم، فيصبحوا كالنخلة الخاوية الجوف ، فهل ترى أحداً من بقاياهم؟ أو تجد لهم أثراً؟ لقد هلكوا عن آخرهم.
فهذا خبر من الله صدق ولم يثبت أبداً أن أحداُ أكذب الله في هذا الخبر.
(6) وإذا أخبرنا الله عز وجل بأن ثمود وهى قوم صالح عليه السلام أو تسمى عاد الثانية ، كذبوا نبيهم صالحاً الذى أتاهم بناقة هي آية من آيات الله فأهلكهم الله عز وجل بالصيحة ، قال الله تعالى في سورة القمر الآية (31):
(إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِر).ِ
هى صيحة جبريل صباح السبت فهلكوا ، صاروا بعد هلاكهم وتمزق أجسادهم كهشيم المحتظر وهو الرجل الذى يجعل فى حظيرة غنمه العُشب اليابس والعيدان الرقيقة يحظر بها لغنمه يحفظها من البرد والذئاب.
فهذا خبر من الله يجب أن يكون صادقاً.
(7) وإذا أخبرنا الله عز وجل عن قوم مدين ونبيهم شُعيب بأنهم طففوا المكيال والميزان وأنهم عصوا أمر نبيهم وأمرهم أعطاء الناس حقوقهم ، مصداقاً لقولــــه
تعالى في سورة الأعراف الآية (85):
(وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا).
لا تظلموا الناس حقوقهم ولا تنقصوهم إياه ، ولا تعملوا بالمعاصي بعد إصلاحها ببعثة الرسل:
(فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ).سورة الأعراف (91)
أى فأخذتهم الزلزلة العظيمة فأصبحوا ميتين جاثمين على الركب.
فهذا خبر من الله صدق.
(8) وإذا أخبرنا الله عز وجل عن قوم موسى بنى إسرائيل بأنهم (قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا) سورة الأعراف الآية (129).
قالوا أُذينا من قبل أن تأتينا بالرسالة ومن بعد ما جئتنا بها.
بمعنى: أن المحنة لم تفارقهم فهم في العذاب والبلاء قبل بعثة موسى وبعد بعثته.
وكان موسى عليه السلام غضوباً شديداً ، وكان إذا غضب خرج شعر بدنه من ثيابه.
ولما رجع من عند الله وجد قومه يعبدون العجل.
(وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ). سورة الأعراف الآية (150).
فهذا خبر من الله صدق فهناك موسى كليم الله ولا يستطيع يهودياً أو نصرانياً أن يكذب هذا.
(9) وإذا أخبرنا الله عز وجل عن عيسى عليه السلام نبي بني إسرائيل الذى جآء بعد موسى عليه السلام وعصوا أمره أيضاً وقالوا له: إنك ساحر لأنه كان يحيى الموتى بإذن الله ويبرئى الأكمة والأبرص بإذن الله مصداقاً لقوله تعالى في سورة آل عمران الآية (49):
(وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ).
فهذا خبر من الله صدق.
(10) وإذا أخبرنا الله عز وجل عن نبينا عليه الصلاة والسلام صفي الأنبياء وخير الخلق على الإطلاق بأنه فعل كذا وكذا فهذا صدق لأنه كلام الله.
الإنسان يكذب لمصلحة أو ليصدر فضلاً ما كان هذا الفضل موجود أو ليخفي عيباً يريد أن يخفيه ، ابن آدم عند الكذب له أغراض شريفة وأغراض غيرشريفة ، أما الله عز وجل فما الذى يحمله على أن يكذب ، هو الله القادر القاهر ، بيديه نواصي العباد وأحوال العباد. لما يكذب؟
(تمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً).
(11) وإذا أخبرنا الله عز وجل عن أنه بعد الموت سؤال في القبر ، والقبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار ، فهذا خبر من الله يُحمل على الصدق الذى لا كذب فيه.
(12) وإذا أخبرنا الله بأن هناك يوم القيامة بعثاً من القبور مصداقاً لقوله تعالى في سورة المعارج الآية (43):
(يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ).
بمعنى: يوم يخرجون من القبور إلى أرض المحشر مسرعين كأنهم يسعون ويستبقون إلى أصنامهم التى نصبوها ليعبدوها ، وهنا شبه حالة إسراعهم إلى موقف الحساب ، بحالة إسراعهم وتسابقهم في الدنيا إلى آلهتهم ، وفي هذا التشبيه تهكم بهم ، وتعريض بسخافة عقولهم ، إذ عبدوا ما لا يستحق العبادة ، وتركوا عبادة الواحد الأحد.
فهذا خبر من الله ، لابد أن يكون صادقاً ولابد أن يحدث السؤال في القبر ، ولابد أن يحدث يوم البعث والنشور والحساب وفيه حشر وفيه ميزان وفيه صراط وفيه جنة أو نار وفيه تحقيق وتدقيق.
هذا من جانب الصدق ، أما من جانب العدل.
(وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً).
فكل ما قضاه الله على عباده سواء كانوا أفراداً أو أمماً أو جماعات كله عدل مصداقاً لقوله تعالى في سورة النحل الآية (118):
(وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُون).َ
ولكن ظلموا أنفسهم بإرتكاب ما يستوجب العقاب (بالكفر والمعصية ومنع حق الله تعالى).
فإذا قضى الله على أحد بسوء بزلة بتشتت بفقر فيجب أن ننظر إلى هذا القضاء المبرم النازل على فلان هذا بأنه عدل من الله سواء علمنا نحن الأسباب التى أنزل الله بأسه على هذا الرجل أم لم نعلم (فإن الله يعلمُ وأنتم لا تعلمون).
لا يصح لنا شرعاً أن نتهم الله فى قضائه ، فالله عدل فى قضائه ، بل الله تعالى يصبر مرة ومرة ومرة وقد يصبر شهوراً ، وقد يصبر سنيناً على العاصي وعلى المفسد وعلى المجرم لعله يرجع ولعله يتوب فإذا أخذه أخذُ عزيز مقتدر مصداقاً لقوله تعالى في سورة هود الآية (102):
(وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيد).ٌ
بمعنى: يأخذ الله عز وجل بعذابه الفجرة الظلمة ، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذى رواه أبي موسى الأشعري أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (إن الله تعالى يملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلتُهُ).
وإن عذاب الله عز وجل موجع شديد ، وهذا مبالغة في التهديد والوعيد.
فهذا قضاء الله وهو عدل ، لا نتهم الله أبداً بأنه ظالم!
(إن الله حرم الظلم على نفسه وجعله بينكم محرماً).
وإذا ما رأينا أمراضاً عند الناس أو غلاءً عندهم (الأزمات الإقتصادية) هل هي صدفة من الصدف. لا ، بل أنزله الله عز وجل لما فعله الناس مع الله ومع بعضهم البعض مصداقاً لقوله تعالى في سورة الروم الآية (41):
(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون).َ
بمعنى: ظهرت البلايا والنكبات في بر الأرض وبحرها بسبب معاصي الناس وذنوبهم ، ونحن كما نعلم أن إنتشار المعاصي وكثرة الفجور والموبقات تقل الخيرات وترتفع البركات.
والمراد بالفساد هنا الجفاف والجدب وكثرة الحرق والغرق ومحق البركات، وكثرة المضار (بأن النقص في الزروع والثمار((ك الطماطم 12 جنية)) والله عز وجل يذيقهم وبال بعض أعمالهم فى الدنيا قبل أن يعاقبهم بها جميعاً في الآخرة ، لعلهم يتوبون ويرجعون عما هم عليه من المعاصي والآثام).
وقال الله تعالى في سورة الأعراف الآية (96):
(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُون).َ
بمعنى: ولو أن أهل تلك القرى ءامنوا بالله ورسله واتقوا الكفر والمعاصي – لوسعنا عليهم الخير من كل جانب (بركات السماء المطر ، وبركات الأرض الثمار).
أيها المؤمن ، ها أنت رأيت أن الله عز وجل وصف نفسه بين عظمتين من صفات المؤمن صفة الصدق وصفة العدل.
فكن أنت هذا الرجل الذى يعيش بالصدق وبالعدل.
تخلقوا بأخلاق الله – لأن الله عز وجل أمرنا أن نتخلق بأخلاقه ، فإذا علمنا بأن الله حليم فيجب علينا أن نتصف بصفات الحلم بقدر الإمكان.
وإذا علمنا أن الله رحيم يجب أن يكون عندنا رحمة الراحمون يرحمهم الرحمن (أرحموا من في الأرض يرحمكم من فى السمآء) (والجنة هي لكل ذى رحمة).
وإذا علمنا بان الله جبار مُنتقم نتشبه بهذه الصفة في جهة واحدة وهي أن كون أشداء على الكفار على المنافقين على المفسدين على أعداء الله وأعداء الدين مصداقاً لقوله تعالى في سورة التحريم الآية (9) وسورة التوبة الآية (73):
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ).
بمعنى: جاهد أيها النبي الكفار بالسيف ، والمنافقين بالحجة والبرهان لأن المنافقين يظهرون الإيمان ، فلذلك لم يؤمر عليه الصلاة والسلام بقتالهم – وأمره الله عز وجل أن يشدد عليهم في الخطاب ولا يعاملهم بالرأفة واللين ، إرعاباً وإذلالاً لهم.
ولهذا قال الله تعالى على الصدق في سورة المائدة الآية (119):
(قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
بمعنى: يوم القيامة بنفع الصادقين في الدنيا صدقهم (صدقوا الله تعالى في إيمانهم به فعبدوه وحده لا شريك له ، ونفعه لهم أن أدخلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها لا يخرجون منها أبداً ، مع رضى الله تعالى عنهم ورضاهم عنه بما أنعم به عليهم من نعيم لا يفنى ولا يبيد.
وقال الله تعالى في سورة التوبة الآية (119):
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِين).َ
وقال الله عز وجل عن العدل في سورة الأنعام الآية (152):
(وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى).
وقال تعالى فى سورة النحل الآية (90):
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
فتش يا أخي عن نفسك ، فإن وجدت نفسك صادقاً في كل حديث ، لا تبالغ ولا تنحرف فأعلم أنك تخلقت بأخلاق الله ويرجى لك الخير.
وفتش في عملك فإن وجدت نفسك عادلاً مع الزوجة وعادلاً مع الأولاد وعادلاً مع الجيران وعادلاً مع الرفقاء والشركاء والزملاء ، وعادلاً مع الناس أجمعين فبشر نفسك بالخير.
وأعلم بأنك ما دمت قد تخلقت بخُلق الله في الصدق ، وفى العدل فأنت مؤمن تعيش بخير وتلقى الله بخير مصداقاً لقوله تعالى:
(وتمت كلمتُ ربك صدقاً وعدلاً (0) لا مُبدل لكلماته وهو السميُع العليمُ).
(( والحمدلله رب العالمين ))
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.
أما بعد،،،،
إن الأمم إنما تغلو وتتقدم وتنتصر وتزدهر حياتها بعنصرين مهمين ، عنصر الصدق وعنصر العدل. فإذا شاع الصدق في أى أمة وشاع العدل في هذه الأمة بشرها بالإنتصار وبشرها بالإزدهار والرخاء والتقدم والرُقى.
وقد جعل الإسلام هذين العنصرين الصدق والعدل من أهم مكونات العدل المسلم كفرد والأمة المسلمة كشعب.
الصدق والعدل وبنى عليهما الإسلام كل خير يأتي للأفراد وللأمم – بل جعل الله الصدق والعدل من صفاته سبحانه وتعالى صفات الله العليا وأسماء الله الحسني ومثله الأعلى في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم.
وهناك آية في القرآن في سورة الأنعام 115 ، آية قصيرة لا تزيد عن سطر واحد إلا أن فحواها ومغزاها ومعناها عظيم وكبير وهي:
(وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
صدق الله العظيم وبلغه رسوله الكريم ، (وتمت كلمة ربك).
كلام الله هو مصدر كل كائن في هذه الحياة ، فالله عز وجل إذا أراد أمراً يقول له كن فيكون ، كُلُ كائن كل مولود في السماء فى الأرض ، فيمابينهما وفيما ورائهما مما نعلم ومما لا نعلم ، كُلُ كائن أراد الله إيجاده قال له كن فيكون مصداقاً لقوله تعالى في سورة القمر الآية (50):
(وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ).
بمعنى: شأن الله في الخلق والإيجاد إلا مرة واحدة لا تحتاج إلى تأكيد بثانية كلمح البصر في السرعة لا يتأخر طرفة عين.
فالله عز وجل أخبر في هذه الآية من سورة الأنعام أن كلماته كلها مبنية على عنصرين أساسيين هما عنصر الصدق وعنصر العدل (وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً).
أما الصدق فى أخبار الله عز وجل ، فهو عمن مضى أو عمن حضر أو عمن سيستقبله في المستقبل فهو صادق ، لا كذب فيه ولا باطل للحق أبداً.
الصدق في كل خبر أخبر به والعدل في كل قضاء قضاه الله عز وجل فكلامه صدق وقضاءُه عدل.
مثال: إذا أخبرنا الله عز وجل بأنه خلق الجآن قبل آدم.
(وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ) سورة الحجر الآية(27).
بمعنى: ومن قبل آدم خلقنا الجآن – أى الشياطين ورئيسهم إبليس من نار السموم وهى النار الحارة الشديدة التى تنفذ فى المسام فتقتل بحرها – قال المفسرون: ذكر الله عز وجل هنا الجآن ويقصد به إبليس أبا الجن – لأن منه تناسلت الجن فهو أصل لها كما أن آدم أصل للإنس.
هذا خبر صادق.
(2) وإذا قال الله تعالى إنه خلق آدم من تراب أو من مآء أو من طين – فالله صادق (تمت كلمته صدقاً فيما أخبر).
(3) وإذا أخبرنا الله عز وجل بأنه نبه على آدم وعلى زوجته حواء أن لا يأكلا من الشجرة ، وعصيا أمر ربهما سهواً ونسياناً وأكلا من الشجرة وأخرجهما الله من الجنة مع إبليس وقال سبحانه وتعالى:
(وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ). سورة البقرة الآية (36).
بمعنى: قال الله تعالى: اهبطوا من الجنة إلى الأرض والخطاب هنا لآدم وحواء وإبليس – ويكون الشيطان عدو لكم فكونوا أعداء له ولكم في الدنيا موضع إستقرار بالإقامة فيها وتمتعوا بنعيمها إلى وقت إنقضاء آجالكم.
فإن هذا أمر صدق لأنه إخبار من الله الذى لا يكذب أبداً.
(4) وإذا أخبرنا الله عز وجل بأنه خلق نبياً يسمى نوحاً وعصاهُ قومُهُ وعبدوا الأصنام فأرسل الله عليهم الطوفان فكتسحهم ولم يُبقى في الدنيا إلا المؤمنين (وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ) سورة هود الآية (40).
وما آمن بنوح لا نزر يسير (عدد قليل) مع طول إقامته بينهم وهي مدة تسعمائة وخمسين سنة ، وقال ابن عباس: كانوا ثمانين نفساً منهم نساؤهم – وقال كعب: كانوا اثنين وسبعين نفساً ، وقيل: كانوا عشرة وهو فى مختصر ابن كثير.
هذا أيضاً خبر صدق ، لأن هناك نوح وهناك طوفان وهناك كفره هلكوا من الطوفان – وهناك مؤمنون نجوا.
(5) وإذا أُخبرنا عن قوم عاد بأن الله الذى أرسل لهم نبياً كريماً يسمى هوداً وأنهم أصرُوا على ما كفروا به وأفسدوا وقد أهلكهم الله بالريح مصداقاً لقوله تعالى في سورة الحاقة الآية (6 : 8):
(وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ)(8).
بمعنى: سلطها الله عليهم سبع ليا وثمانية أيام متتابعة لا تفتر ولا تنقطع – وكانوا أصول نخل متآكلة الأجواف ، قال المفسرون: كانت الريح تقطع رؤوسهم كما تقطع رؤوس النخل ، وتدخل من أفواههم وتخرج من أدبارهم حتى تصرعهم، فيصبحوا كالنخلة الخاوية الجوف ، فهل ترى أحداً من بقاياهم؟ أو تجد لهم أثراً؟ لقد هلكوا عن آخرهم.
فهذا خبر من الله صدق ولم يثبت أبداً أن أحداُ أكذب الله في هذا الخبر.
(6) وإذا أخبرنا الله عز وجل بأن ثمود وهى قوم صالح عليه السلام أو تسمى عاد الثانية ، كذبوا نبيهم صالحاً الذى أتاهم بناقة هي آية من آيات الله فأهلكهم الله عز وجل بالصيحة ، قال الله تعالى في سورة القمر الآية (31):
(إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِر).ِ
هى صيحة جبريل صباح السبت فهلكوا ، صاروا بعد هلاكهم وتمزق أجسادهم كهشيم المحتظر وهو الرجل الذى يجعل فى حظيرة غنمه العسب اليابس والعيدان الرقيقة يحظر بها لغنمه يحفظها من البرد والذئاب.
فهذا خبر من الله يجب أن يكون صادقاً.
(7) وإذا أخبرنا الله عز وجل عن قوم مدين ونبيهم شُعيب بأنهم طففوا المكيال والميزان وأنهم عصوا أمر نبيهم وأمرهم أعطاء الناس حقوقهم ، مصداقاً لقولــــه
تعالى في سورة الأعراف الآية (85):
(وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا).
لا تظلموا الناس حقوقهم ولا تنقصوهم إياه ، ولا تعملوا بالمعاصي بعد إصلاحها ببعثة الرسل:
(فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ).سورة الأعراف (91)
أى فأخذتهم الزلزلة العظيمة فأصبحوا ميتين جاثمين على الركب.
فهذا خبر من الله صدق.
(8) وإذا أخبرنا الله عز وجل عن قوم موسى بنى إسرائيل بأنهم (قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا) سورة الأعراف الآية (129).
قالوا أُذينا من قبل أن تأتينا بالرسالة ومن بعد ما جئتنا بها.
بمعنى: أن المحنة لم تفارقهم فهم في العذاب والبلاء قبل بعثة موسى وبعد بعثته.
وكان موسى عليه السلام غضوباً شديداً ، وكان إذا غضب خرج شعر بدنه من ثيابه.
ولما رجع من عند الله وجد قومه يعبدون العجل.
(وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ). سورة الأعراف الآية (150).
فهذا خبر من الله صدق فهناك موسى كليم الله ولا يستطيع يهودياً أو نصرانياً أن يكذب هذا.
(9) وإذا أخبرنا الله عز وجل عن عيسى عليه السلام نبي بني إسرائيل الذى جآء بعد موسى عليه السلام وعصوا أمره أيضاً وقالوا له: إنك ساحر لأنه كان يحيى الموتى بإذن الله ويبرئى الأكمة والأبرص بإذن الله مصداقاً لقوله تعالى في سورة آل عمران الآية (49):
(وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ).
فهذا خبر من الله صدق.
(10) وإذا أخبرنا الله عز وجل عن نبينا عليه الصلاة والسلام صفي الأنبياء وخير الخلق على الإطلاق بأنه فعل كذا وكذا فهذا صدق لأنه كلام الله.
الإنسان يكذب لمصلحة أو ليصدر فضلاً ما كان هذا الفضل موجود أو ليخفي عيباً يريد أن يخفيه ، ابن آدم عند الكذب له أغراض شريفة وأغراض غيرشريفة ، أما الله عز وجل فما الذى يحمله على أن يكذب ، هو الله القادر القاهر ، بيديه نواصي العباد وأحوال العباد. لما يكذب؟
(تمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً).
(11) وإذا أخبرنا الله عز وجل عن أنه بعد الموت سؤال في القبر ، والقبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار ، فهذا خبر من الله يُحمل على الصدق الذى لا كذب فيه.
(12) وإذا أخبرنا الله بأن هناك يوم القيامة بعثاً من القبور مصداقاً لقوله تعالى في سورة المعارج الآية (43):
(يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ).
بمعنى: يوم يخرجون من القبور إلى أرض المحشر مسرعين كأنهم يسعون ويستبقون إلى أصنامهم التى نصبوها ليعبدوها ، وهنا شبه حالة إسراعهم إلى موقف الحساب ، بحالة إسراعهم وتسابقهم في الدنيا إلى آلهتهم ، وفي هذا التشبيه تهكم بهم ، وتعريض بسخافة عقولهم ، إذ عبدوا ما لا يستحق العبادة ، وتركوا عبادة الواحد الأحد.
فهذا خبر من الله ، لابد أن يكون صادقاً ولابد أن يحدث السؤال في القبر ، ولابد أن يحدث يوم البعث والنشور والحساب وفيه حشر وفيه ميزان وفيه صراط وفيه جنة أو نار وفيه تحقيق وتدقيق.
هذا من جانب الصدق ، أما من جانب العدل.
(وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً).
فكل ما قضاه الله على عباده سواء كانوا أفراداً أو أمماً أو جماعات كله عدل مصداقاً لقوله تعالى في سورة النحل الآية (118):
(وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُون).َ
ولكن ظلموا أنفسهم بإرتكاب ما يستوجب العقاب (بالكفر والمعصية ومنع حق الله تعالى).
فإذا قضى الله على أحد بسوء بزلة بتشتت بفقر فيجب أن ننظر إلى هذا القضاء المبرم النازل على فلا هذا بأنه عدل من الله سواء علمنا نحن الأسباب التى أنزل الله بأسه على هذا الرجل أم لم نعلم (فإن الله يعلمُ وأنتم لا تعلمون).
لا يصح لنا شرعاً أن نتهم الله فى قضائه ، فالله عدل فى قضائه ، بل الله تعالى يصبرة مرة ومرة ومرة وقد يصبر شهوراً ، وقد يصبر سنيناً على العاصي وعلى المفسد وعلى المجرم لعله يرجع ولعله يتوب فإذا أخذه أخذُه عزيز مقتدر مصداقاً لقوله تعالى في سورة هود الآية (102):
(وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيد).ٌ
بمعنى: يأخذ الله عز وجل بعذابه الفجرة الظلمة ، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذى رواه أبي موسى الأشعري أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (إن الله تعالى يملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلتُهُ).
وإن عذاب الله عز وجل موجع شديد ، وهذا مبالغة في التهديد والوعيد.
فهذا قضاء الله وهو عدل ، لا نتهم الله أبداً بأنه ظالم!
(إن الله حرم الظلم على نفسه وجعله بينكم محرماً).
وإذا ما رأينا أمراضاً عند الناس أو غلاءً عندهم (الأزمات الإقتصادية) هل هي صدفة من الصدف. لا ، بل أنزله الله عز وجل لما فعله الناس مع الله ومع بعضهم البعض مصداقاً لقوله تعالى في سورة الروم الآية (41):
(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون).َ
بمعنى: ظهرت البلايا والنكبات في بر الأرض وبحرها بسبب معاصي الناس وذنوبهم ، ونحن كما نعلم أن إنتشار المعاصي وكثرة الفجور والموبقات تقل الخيرات وترتفع البركات.
والمراد بالفساد هنا الجفاف والجدث وكثرة الحرق والغرق ومحق البركات، وكثرة المضار (بأن النقص في الزروع والثمار((ك الطماطم 12 جنية)) والله عز وجل يذيقهم وبال بعض أعمالهم فى الدنيا قبل أن يعاقبهم بها جميعاً في الآخرة ، لعلهم يتوبون ويرجعون عما هم عليه من المعاصي والآثام).
وقال الله تعالى في سورة الأعراف الآية (96):
(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُون).َ
بمعنى: ولو أن أهل تلك القرى ءامنوا بالله ورسله واتقوا الكفر والمعاصي – لوسعنا عليهم الخير من كل جانب (بركات السماء المطر ، وبركات الأرض الثمار).
أيها المؤمن ، ها أنت رأيت أن الله عز وجل وصف نفسه بين عظمتين من صفات المؤمن صفة الصدق وصفة العدل.
فكن أنت هذا الرجل الذى يعيش بالصدق وبالعدل.
تخلقوا بأخلاق الله – لأن الله عز وجل أمرنا أن نتخلق بأخلاقه ، فإذا علمنا بأن الله حليم فيجب علينا أن نتصف بصفات الحلم بقدر الإمكان.
وإذا علمنا أن الله رحيم يجب أن يكون عندنا رحمة الراحمون يرحمهم الرحمن (أرحموا من في الأرض يرحمكم من فى السمآء) (والجنة هي لكل ذى رحمة).
وإذا علمنا بان الله جبار مُنتقم نتشبه بهذه الصفة في جهة واحدة وهي أن كون أشداء على الكفار على المنافقين على المفسدين على أعداء الله وأعداء الدين مصداقاً لقوله تعالى في سورة التحريم الآية (9) وسورة التوبة الآية (73):
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ).
بمعنى: جاهد أيها النبي الكفار بالسيف ، والمنافقين بالحجة والبرهان لأن المنافقين يظهرون الإيمان ، فلذلك لم يؤمر عليه الصلاة والسلام بقتالهم – وأمره الله عز وجل أن يشدد عليهم في الخطاب ولا يعاملهم بالرأفة واللين ، إرعاباً وإذلالاً لهم.
ولهذا قال الله تعالى على الصدق في سورة المائدة الآية (119):
(قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
بمعنى: يوم القيامة بنفع الصادقين في الدنيا صدقهم (صدقوا الله تعالى في إيمانهم به فعبدوه وحده لا شريك له ، ونفعه لهم أن أدخلوا به جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها لا يخرجون منها أبداً ، مع رضى الله تعالى عنهم ورضاهم عنه بما أنعم به عليهم من نعيم لا يفنى ولا يبيد.
وقال الله تعالى في سورة التوبة الآية (119):
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِين).َ
وقال الله عز وجل عن العدل في سورة الأنعام الآية (152):
(وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى).
وقال تعالى فى سورة النحل الآية (90):
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
فتش يا أخي عن نفسك ، فإن وجدت نفسك صادقاً في كل حديث ، لا تبالغ ولا تنحرف فأعلم أنك تخلقت بأخلاق الله ويرجى لك الخير.
وفتش في عملك فإن وجدت نفسك عادلاً مع الزوجة وعادلاً مع الأولاد وعادلاً مع الجيران وعادلاً مع الرفقاء والشركاء والزملاء ، وعادلاً مع الناس أجمعين فبشر نفسك بالخيرز
وأعلم بأنك ما دمت قد تخلقت بخُلق الله في الصدق ، وفى العدل فأنت مؤمن تعيش بخير وتلقى الله بخير مصداقاً لقوله تعالى:
(وتمت كلمتُ ربك صدقاً وعدلاً (0) لا مُبدل لكلماته وهو السميُع العليمُ).
(( والحمدلله رب العالمين ))