بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.
أما بعد ،،،،
فنحن من الحق السادس للزوجة على زوجها وهو إعفافها بعد أن ذكرنا من حقوقها: المهر – الإنفاق عليها – العدل – والإرشاد والتعليم – ومشاورتها وأخذ رأيها فى الأمور التى تهم الأسرة.
والإعفاف: هو المعاشرة بالمعروف. أن يعف الزوج زوجته بالإتصال الجنسى – فإنه من المقاصد الأساسية للزواج إلى جانب الإنجاب والتعاون على الإستقرار النفسى.
مثال (1):
أخرج البخارى عن وهب بن عبدالله قال: آخى النبى – صلى الله عليه وسلم – بين سلمان وأبى الدرداء – فزار سلمان أبا الدرداء – فرأى أم الدرداء – اسمها خيرة – مبتذلة – (غير معتنية بهندامها).
فقال سلمان: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة فى الدنيا – فجآء أبو الدرداء فصنع له طعاماً.
فقال سلمان: كُلُ ، قال أبو الدرداء: فإنى صائم – فقال سلمان له: ما أنا بآكل حتى تأكل – فأكل – فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم (يصلى) فقال له سلمان: نم – فنام – ثم ذهب يقول فقال له: نم – فلما كان آخر الليل قال سلمان: قم الآن. فصليا جميعاً. فقال له سلمان: إن لربك عليك حقا ، وإن لنفسك عليك حقا ، ولأهلك عليك حقاً ، فأعط كل ذى حق حقه.
فأتى النبى – صلى الله عليه وسلم – فذكر ذلك له ، فقال عليه الصلاة والسلام (صدق سلمان) رواه مسلم عن أبى هريرة – رضى الله عنه.
مثال (2):
عن عائشة – رضى الله عنها قالت: كانت امرأة عثمان بن مظعون تخضب و تطيب ثم تركت ذلك – فدخلت علىٌ يوماً – قلت لها: مالك؟ قالت: عثمان لا يريد الدنيا ولا يريد النسآء – قالتj عائشة – فدخل علىٌ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأخبرته بذلك – فلقى عثمان فقال: (ياعثمان تُؤمن بما نؤمن به)؟ قال: نعم يارسول الله – قال: (ياعثمان إن الرهبانية لم تكتب علينا). فجعل إعفاف الزوجة من الأمور التى نؤمن بأنها حق لها – ويجب الإقتداء بالرسول فيه وفى غيره.
مثال (3):
إن امرأة أتت إلى عمر بن الخطاب – رضى الله عنه فقالت: إن زوجى يصوم النهار ويقوم الليل – وأنا أكره أن أشكوه وهو يعمل بطاعة الله عز وجل – فقال لها عمر: نعم الزوج زوجك. فجعلت تكرر عليه القول وهو يكرر عليها الجواب ، فقال له كعب الأسدى: يا أمير المؤمنين ، هذه المرأة تشكو زوجها فى مباعدته إياها عن فراشه.
فقال عمر: كما فهمت كلامها فاقضى بينهما. فقال كعب: علىٌ بزوجها ، فأتى به ، فقال له: إن إمرأتك هذه تشكوك. قال الرجل: أفى طعام أم شراب؟ قال كعب: لا فقالت المرأة: نهاره وليله ما يرقده — فلست فى أمر النساء أحمده. فقال زوجها:
زهدنى فى فرشها وفى الحجل …….. إنى امرؤ أذهلنى ما قد نزل
فى سورة النحل وفى السبع الطول …….. وفى كتاب الله تخويف جلل
فى الحجل: (غرفة النوم وما فيها).
فقال كعب: إن لها عليك حقاً يا رجل – تُصيبها فى أربع لمن عقل فأعطها ذاك ودع عنك العلل. ثم قال: إن الله عز وجل قد أحل لك من النسآء مثنى وثلاث ورباع ، فلك ثلاثة أيام ولياليهن ، تعبدُ فيهن ربك.ورابع لزوجتك .
فقال عمر: والله ما أدرى من أى أمرين أعجب؟ أمن فهمك أمرهما أم من حكمك بينهما؟ اذهب فقد وليتك قضاء البصرة.
مثال (3):
يروى أن امرأة جآءت تشكو قالت: ياأمير المؤمنين أن زوجها قد كثر شره وقل خيره – فقال لها عمر: من زوجُك؟؟ قالت: أبوسلمة. قال عمر: إن ذلك لرجل له صحبة وإنه لرجل صدق ، واستشهد على ذلك برأى جالس عنده. ثم استدعاه – فقعدت المرأة خلف عمر قبل أن يحضر زوجها ، فلما حضر وسأله عمر: (ماذا تقول هذه الجالسة خلفى؟ قال زوجها: ومن هذه؟ قال عمر: امرأتك.. تزعم أنك قد قل خيرك وكثر شرك. قال الرجل: بئسما قالت ، (1) إنها لمن صالح نسآئها ، (2) وأكثرهن كسوة ،(3) وأكثرهن رفاهية بيت ، ولكن فحلها بكىء بمعنى يريد أن زوجها لا يستطيع الجماع.
فقال عمر للمرأة: ماذا تقولين؟ قالت: صدق.
فقام إليها عمر بالدرة ، فتناولها بها ، ثم قال: أى عدوة نفسها أكلت ماله وأفنيت شبابه – ثم أتيت تحيرين بما ليس فيه.
فقالت: ياأمير المؤمنين: لا تعجل ، فوالله لا أجلس هذا المجلس أبداً. ثم قال لزوجها: لا تسيئ إليها – فقال: ما كنت لأفعل فأنصرفا.
إن الإسلام قد ارتفع بهذا الحق للزوجة إلى درجة عالية:
فجعله من القربات ، شأنه فى ذلك شأن العبادات من ذكر وتصدق وغيرهما.
الدليل:
فعن أبى ذر أن ناساً قالوا: يارسول الله ، ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلى ويصومون كما نصوم – ويتصدقون بفضول أموالهم. قال النبى – صلى الله عليه وسلم: (أو ليس قد جعل الله لكم ما تتصدقون به؟ إن بكل تسبيحة صدقة ، وكل تكبيرة صدقة ، وكل تحميدة صدقة ، وكل تهليلة صدقة ، وأمر بالمعروف صدقة ، ونهى عن المنكر صدقة. وفى بضع أحدكم صدقة).
قالوا: يارسول الله أيأتى أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟
قال صلى الله عليه وسلم: (أرأيتم لو وضعها فى حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها فى الحلال كان له أجر). رواه مسلم.
معنى الحديث:
البضع هو الفرج أو الجماع – ولو نوى الرجل المباشرة قضاء حقها ومعاشرتها بالمعروف ، أو طلب ولد صالح أو إعفاف نفسه أو إعفافها له صدقة كما قال النبى – صلى الله عليه وسلم – وكما ذكر النووى: (كل شئ يلهو به الرجل فهو باطل – إلا رميه بقوسه وتأديب لفرسه ، وملاعبته لامرأته حق )…
التقصير فى هذا الحق: وهو إعفاف الزوجة – له أضرار جسيمة – فهو (1) يورث كراهتها لزوجها ، (2) عدم إخلاصها فى أداء واجبها نحو ، (3) استشرافها للذة التى قد تطلبها من غيره ، (4) التفكير فى الخلاص منه.
ماذا يفعل الرجل؟ وقد ضعف فى هذا؟؟؟
ولأهمية هذا الحق رأى بعض العلماء استعانة الرجل بالأدوية والمقويات الحلال التى تزيد من قدرته على الوفاء بهذا الحق.
هناك قصة حدثت فى خلافة عمر بن الخطاب – رضى الله عنه – ذكرها القرطبى وابن كثير ، وهى أن عمر – رضى الله عنه – خرج ذات ليلة يطوف المدينة ، وكان يفعل ذلك كثيراً – إذ مر بامرأة من نسآء العرب ، مغلقاً عليها بابها وهى تقول:
تطاول هذا الليل تسرى كواكبه ……. وأرقنى أن لا خليل ألاعبه
مخافة ربى والحياء يصُدُنى ……. وأكرم بعلى أن تنال مراكبه
وفى رواية ابن جريح:
قال عمر لها: ومالك؟ قالت: أغزيت زوجى منذ أشهر وقد أشتقت إليه.
قال عمر: فامللى عليك نفسك ، فإنما هو البريد اليه.
وقد سأل بنته حفصة عن المدة التى يمكن للمرأة أن تمكث بدون رجل ، فقالت: أربعة أشهر.
وروى أنه بعث (1) إليها من تؤنسها حتى يحضر زوجها ، (2) كما أعطاها كسوة، (3) ونفقة ، (4) وأمر ألا يغيب الجند عن أهله أكثر من أربعة أشهر,
هل يحرم المباشرة الجنسية وقت الحيض؟ نعم.
قال تعالى فى سورة البقرة الآية (222):
(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ).
(1)يحرم المباشرة مدة الحيض ، (2) وبعد إنقطاع الدم إلى أن تغتسل الحائض. وقد ورد أن النبى – صلى الله عليه وسلم – نام على فخذ عائشة وهو مكشوف ففى سنن أبى داود: عمة الرسول – صلى الله عليه وسلم – سألت عائشة قالت: إحدانا تحيض وليس لها ولزوجها فراش إلا فراش واحد.
قالت عائشة: أخبرك بما صنع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – دخل فمضى إلى مسجده (فى بيتها) فما انصرف حتى غلبتهن عينى ، وأوجعه البرد فقال: (أدنى منى) فقلت: إنى حائض – فقال: (وإن اكشفى عن فخذيك) فكشفت فخذى ، فوضع خده وصدره على فخذى وحنيت عليه حتى دفئ ونام صلى الله عليه وسلم) ذكره ابن كثير فى تفسيره.
الحكمة فى تحريم القرب من الحائض؟
القرآن قال: أن الحيض أذى (واعتزلوا النسآء فى المحيض) ، والأذى شرحه الأطباء – فذكروا أنه يكون للمرأة ويكون للرجل.
فى المرأة: (1) ألتهاب المهبل ، (2) ألتهاب الجهاز التناسلى وهو يسبب العقم ، (3) ألتهاب الغشاء المخاطى للمثانة حيث تشعر المريضة بميل إلى التبول مع قلة ما ينزل منه ، (4) الجماع يحمل الميكروبات إلى داخل المهبل ، (5) وكذلك يسبب الحيض إضطراب الأعصاب.
فى الرجل: (1) يسبب الجماع فى الحيض إلى الإلتهاب فى أعضاء التناسل ، (2) إمتداد الجراثيم إلى داخل القناة البولية ، (3) وقد تصيب المثانة والحالبين – وربما يمتد الإلتهاب إلى البروستاتا والخصية.
تنبيه هام:
موضع إعفاف المرأة بالوطء ، هو القبل أى الفرج لماذا؟
لأنه (1) محل الحرث والنسل الذى هو أهم مقاصد النكاح ، (2) ولأنه موضع اللذة الطبيعية للمرأة ، أما الوطء فى الدبر فلا يحصل به إحصان ولا إعفاف.
وقد نهى النبى – صلى الله عليه وسلم – عنه فى عدة أحاديث منها:
أولاً: عن ابن عباس – رضى الله عنهما قال:
قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ينظر الله عز وجل إلى رجل أتى رجلاً أو أمرأة فى دبرها). رواه الترمذى والنسائى عن ابن عباس.
الحديث الثانى:
قوله – صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يستحى من الحق – ثلاث مرات لا تأتوا النسآء فى أدبارهن). رواه ابن ماجه والنسائى.
الحديث الثالث:
عن أبى هريرة – رضى الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: (ملعون من أتى امرأة فى دبرها) رواه أبو داود.
وقد سمى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إتيان المرأة فى دبرها اللوطية الصغرى. كما رواه البزاروأحمد.
الحديث الرابع:
عن ابن عباس وأبى هريرة قال: خطبنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قبل وفاته وقال: (1) من نكح امرأة فى دبرها ، (2) أو رجلاً ، (3) أو صبياً حُشر يوم القيامة (1) وريحه أنتن من الجيفة ، (2) يتأذى به الناس حتى يدخل النار ، (3) وأحبط الله أجره، (ولا يقبل منه صرفاً ولا عدلاً) ، (4) ويدخل فى تابوت من نار ، (5) ويشد عليه مسامير من نار.
قال أبو هريرة: هذا لمن لم يتب
من الأسباب الكبرى لزوال النعمة وحلول النقمة هو إتيان المرأة فى دبرها – أو رجلاً أو صبياً.
وقد بين أن الله إذا كان قد حرم الوطء فى القبل لعارضى من الأذى وهو الحيض – فتحريم ما به الأذى دائماً ، وهو الدبر أولى.
وهناك توصية عامة بالمسارعة إلى الإغتسال من الجنابة ، وكراهة التأخير ومباشرة الأعمال قبل أن يتطهر – فقد روى أبو داود أن النبى – صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة لا تقربهن الملائكة: جيفة الكافر – والمتضمخ بالخلوق (متضمخاً بالزعفران) والجنب إلا أن يتوضأ).
( والحمدلله رب العالمين )