هل الإحداد على الزوج حق من حقوقه؟

بسم الله الرحمن الرحيم

      الحمدلله رب العالمين ، والصلاة والسلام عل النبى الآمى سيدنا محمد المختار ، وعلى آله الأطهار ، وأصحابه الأخيار.

أما بعد:

فحقوق الزوج على زوجته كثيرة ، وقد تكلمنا عنها فى دروس سابقة (سبع حقوق)، ونحن سوف نفصل القول فى الحق السابع والأخير من حقوق الزوج على زوجته وهو الإحداد عليه.

أخيراً:  الإحـداد:

       الإحداد مظهر من مظاهر الوفاء للزوج ، وهو يقوى مركز المرأة فى أعين الناس ، لأنه يدل على عاطفة نبيلة ، وقلب فيه خير كثير.

الإحداد عند عرب الجاهلية:  ذا طقوس غريبة ، ذكرها النبى – صلى الله عليه وسلم – فى حديث رواه البخارى ومسلم عن زينب بنت أبى سلمة ، فقالت زينب:  وكانت المرأة إذا توفى عنها زوجها (1) دخلت بيت مظلم صغير ، (2) ولبست شر ثيابها ، (3) ولم تمس طيباً ولا شهياً حتى يمر عليها سنة ، تأتى بطير فتقتضى به.  بمعــنى:  قال مالك:  تدلك به جلدها ، فقلما تقتضى بشئ إلا مات.

       قال ابن قتيبة:  سألت الحجازيين عن الأقتضاض فذكروان المعتدة كانت لا  تمس مآء ولا تقلم ظُفراً ولا تزيل شعراً ثم تخرج بعد الحول بأقبح منظر – ثمتقتضى بطائر تمسح به قُبلها ، يموت من نتن فرجها.  تأتى ببعرة وتنتظر مرور الكلب لترمية بالبعرة.  ومعناها:  تفاؤلاً بعدم العودة إلى مثلها.  وتمنياً أن تموت فى كنف من عساها تتزوج به.

وهناك معنى آخر:  أن ما فعلته عن التربص فى تلك المشقة هو عندها بمنزلة البعرة التى ترميها إحتقاراً له وتعظيماً لحق زوجها ، وكذلك هى إشارة إلى رمى العدة والتفلت منها.  (خلصت من العدة).

جآء الإسلام فنظم الإحداد على المتوفى

       من جهة مظاهره ومن جهة مدته.  فالمتوفى إما أن يكون غير زوج هو من الأقارب – أباحه الله مراعاة لعواطف المرأة ، وجعل مدته قصيرة وهى ثلاثة أيام فقط ، وحرم ما يزيد على ذلك.

الدليل على ذلك:  ما ورد فى الصحيحين أن زينب بنت أبى سلمة دخلت على أم حبيبة – رضى الله عنها – زوج النبى – صلى الله عليه وسلم – حين توفى أبوها أبو سفيان ، فدعت أم حبيبة بطيب فيه صفرة فدهنت به ثم قالت:  والله مالى بالطيب من حاجة غير أنى سمعتُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم يقول:

       (لا يحل لامرأة تُؤمن بالله واليوم الآخر تحد على ميت فوق ثلاث ، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا).

       قالت زينب:  ثم دخلت على زينب بنت جحش حين توفى أخوها ، فدعت بطيب فمست منه ثم قالت: والله ما لى بالطيب من حاجة غير أنى سمعتُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت.فوق ثلاث….).

       نجد أن فى إظهار السيدتين الطاهرتين – زينب – وأم حبيبة عدم حاجتهما إلى الطيب ولكنهما تعمدا إستعماله ما يبين لنا مراعاة النهى الشديد عن الإحداد أكثر من ثلاثة أيام على غير الزوج.

       والمرأة التى تحرص على زيادة مدة الحزن لا تفرغ حياتها من بؤس يلازمها– خصوصاً إذا كثرت فروع أسرتها وتناوبها الموت ، وهو لابد فاعل ، فذلك قانون الحياة.

أما الإحداد على وفاة الزوج

       فهو المظهر الحقيقى للوفاء والحزن (حمنة بنت جحش).

دليلة الحديث السابق:  (1) منع النبى – صلى الله عليه وسلم – أنواعاً من الزينة لمن مات عنها زوجها.  وهذا الإحداد واجب والأمة مجمعة على وجوبه.

مدة الإحداد:  (2) فكانت قبل الإسلام سنة – وقد جعل الله مدة الإحداد مرتبطة بعدة الوفاة – وهى 4 أشهر وعشرا لغير الحامل – وأما الحامل فعدتها تنتهى بوضع الحمل.

       مصداقاً لقول الله تعالى فى سورة البقرة الآية (234):

(وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)

       وفى سورة الطلاق الآية (4):

              (وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)

الشرح:  (1)  المرأة الحامل تتهى عدتها بوضع الحمل سواء كانت مطلقة أو متوفى عنها زوجها ، (2)  فمتى ولدت ما فى بطنها من جنين فقد انقضت عدتها ولو وضعته قبل إستكمال التسعة أشهر.

الدليل على ذلك:  حديث سُبيعة الأسلمية

       وزوجها هو سعد بن خولة– ولدت بعده بنصف شهر ، وقال البخارى:  ولدت بعده بأربعين ليلة.    

       وروى مسلم من حديث عمر بن عبدالله بن الأرقم أن سُبيعة سألت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن ذلك قالت:  فأفتانى بأنى قد حللت حين وضعتُ حملى ، وأمرنى بالتزوج إن بدا لى).

       وأئمة الفقهاء اشترطوا:  (1)  وضع الحمل ، (2)  والطهر من دم النفاس.

         فالمرأة ممنوعة من التزين بأية زينة تنافى حكمة الإحداد ماهى؟  وهى إظهار (1)  الحزن ، (2)  والأسف، (3)  والوفاء للحياة الزوجية السابقة.

الدليل على عدم التزين:  حديث عن أم سلمة زوج النبى – صلى الله عليه وسلم – أنه قالت: (المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشقة ولا الحلى ولا تكتحل ولا تختضب) =  الحناء.

       الممشقة:  المصبوغة بالمشق وهى المغرة.

       ولا تُمنع المحدة من تقليم الأظفار – ونتف الإبط – وحلق الشعر المندوب حلقه ، وكل ما يقصد منه النظافة لا الزينة.

       وكذلك يحرم على المحدة لبس الثياب التى يقصد منها الزينة أيا كان لونها أو نوعها.  (والعرف يختلف فى تقدير الزينة):

       فى اليابان:  ملابس الحداد هى الكتان الأبيض ، لأنه أرخص الأنواع.

       فى الهند:  تلبس الملابس البيضاء فى الحداد (مهذب ابن بطوطه ج2 صـ 265).

       فى كوريا:  تلبس الملابس البيضاء وكذلك الأندلس:  مجلة العربى عدد يونيو.

ويقال:  إن الملابس السوداء التى هى طابع الحزن فى مصر ، بل هى غالب ثياب النسآء خصوصاً عند الخروج من المنزل – أساسها راجع إلى حزن المصريات على شهداء الأقباط فى عصر (دقلديانوس) حيث ذبح 180 ألف مسيحى فى يوم واحد ، فلبس النسآء الثياب حزناً عليهم.

       وكذلك نهى الشرع عن لبس الحلى بجميع أنواعه.

       هل تمكث فى بيتها أثناء الإحداد أم تخرج؟؟؟

       كانت عائشة – رضى الله عنها – تفتى بخروج المتوفى عنها زوجها – كما خرجت أم كلثوم بعد وفاة زوجها طلحة بن عبيد الله مع أختها عائشة إلى مكة للعمرة.

       (2) ولكن عمر كان لا يرض خروجها حتى إلى الحج. ج3 ص173 تفسير القرطبى.

       وإذا كان الإسلام يوجب على الزوجة أن تحد على زوجها المتوفى فإنه:(1) يراعى عواطف المرأة أولا.  (2) ويراعى قدسية الرابطة الزوجية ثانيا – حيث لا ينبغى أن تنهدم مرة واحدة دون تأثر ليبنيها رجل جديد مع الزوجة المحزونة بسرعة ، وهنا لا يكون توافق بين الأثرين ، أثر الحزن على من مضى واثر الفرح بمن حضر بسرعة – فلابد من وجود فترة تخف فيها حدة الحزن شيئاً فشيئاً حتى يستطيع البناء الجديد.

تكملة فى التوارث بين الزوجين:

(1)           إذا ماتت الزوجة ولها ممتلكات خاصة فنصيب الزوج فيها كالآتى:

(أ‌)               النصف وذلك إذا لم يكن للزوجة ولد – ذكر أو أنثى – من الزوج أو من غيره ، ومثله ولد الأبن.

(ب‌)          الربع ، وذلك إذا كان للزوجة ولد أو ولد ابن – ذكر أو أنثى من الزوج أو من غيره.

الدليل من القرآن سورة النسآء الآية (12):

(وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ). 

              وإذا مات الزوج وله ممتلكات خاصة فنصيب الزوجة:

(أ‌)               الربع ، وذلك إذا لم يكن للزوج ولد – ذكر أو أنثى من الزوجة أو من غيرها ومثله ولد الأبن.

(ب‌)          الثُمن ، وذلك إذا كان للزوج ولد أو ولد ابن – ذكر أو أنثى من الزوجة أو من غيرها.

الدليل من القرآن سورة النسآء الآية (12):

َلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ).

ا

(الحمد لله رب العالمين)

 

 

اترك تعليقاً