بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.
أما بعد،،،،
جآء بعض قوم للنبي – صلى الله عليه وسلم – وقالوا نريد أن نؤلف قلوب القبائل العربية بالإسلام. وكان الله لا يوحي إليه في مثل هذه المسائل – كان الله لا يوحي إليه في مثل هذه المسائل – إنما شأن الله أن يتركه حتى يقع القدر فيشرع للأمة ما ينبغي أن يكون. حتى لا يفتن الناس به أنه يعرف الغيب.
أخرج الرسول – صلى الله عليه وسلم – ستة من أصحابه وهذه المرة لم يكثر… هذه حدثت في شهر صفر من نفس السنة أى الرابعة من الهجرة – قدم على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قوم من عُضل وقارة – وذكر أن فيهم إسلاماً وسألوه أن يبعث معهم من يعلمهم الدين – ويقرئهم القرآن فبعث معهم ستة نفر – وأمر عليهم (1) مرتد بن أبي مرتد الغنوي ، (2) عاصم بن ثابت ، (3) خالد بن بكير ، (4) عبدالله بن طارق ، (5)زيد بن الدثنة ، (6) خُبيب بن عدى ، من خيار الدعاة والرماة عبادة ، وقيادة ، ودعوة.
سأل النبى – صلى الله عليه وسلم – عاصم: كيف تحارب العدو؟
قال عاصم: إذا كانوا على بعد كذا النبال – وإذا كانوا أقرب من هذا فالرماح ، وأما إذا تلاقيا فالسيف السيف. قال النبى – صلى الله عليه وسلم: من يريد أن يقاتل فليتعلم من عاصم بن ثابت. تعلموا منه فنون القتال.
لما أخذهم استصرخوا عليهم قبيلة هُزيل وذكوان ورُعل – مرثد بن أبي مرثد لما وجد أن الناس الذين معهم يتكلمون بطريقة غريبة. فقال مرثد: طلعوا الأسلحة .
الكفار: لماذا طلعتم أسلحتكم؟ قالوا: أنتم لا تريدون الوعظ.
قال الكفار: نعم نحن نريد أن نسلمكم لأهل مكة – أنتم قتلتم أهليهم في غزوة بدر.
فقال مرثد وهو أميرهم: الأسر أذل من القتل – القتل يموت في سبيل الله ، أما الأسر يلعب بهم صبيان ، دافعوا عن أنفسكم بقدر الإمكان حتى قتلوا منهم من استطاعوا.
وانتهت المعركة عن استشهاد مرثد بن أبي مرثد الغنوي – وخالد بن بكير – وعبدالله بن طارق ، عاصم بن ثابت قال وهو في المدينة: (اللهم إني أتخذ عندك عهداً أن لا يمسني مشرك ولا أمس مشرك). وكانت أبواب السمآء مفتوحة أثناء هذا الدعاء.
فتكاثروا عليه فقال اللهم إني لا أُذكرك فأنت لا تنسى اللهم أحمني ولا تمكن المشركين من جثتي ومات شهيداً.
فأرسل الله تعالي الدبابير الحمر – وجعل الله منها مظلة على بدنه من جميع الجهات على بعد لا تمس جسمه. كأنها سلاح طائرات يمنع قرب أحد من جسمه ، فقال الكفار: إن الدبابير يذهب في الليل – فعند الليل نأتي ونأخذ رأسه لنعطيها لسلافه لأنها كانت نادرة أن تشرب في رأسه الخمر…
وبعد المغرب جآء بعض الكفار لأخذ رأس عاصم فوجدوا أن الله عز وجل أرسل سيلاً عارماً ومطراً مدراراً من السمآء فامتلأ الوادي بالماء. ونقل الجثة إلى مكان لا يعلمه إلا الله (حماه الله) في النهار بالدبابير الحمر وفي الليل بالمآء.
وكان عمر بن الخطاب إذا تذكر عاصم – رضي الله عنه – قال: (إن الله يحمى عبده المؤمن حياً وميتاً).
وكان عمر دائماً يبكي عندما يذكر هؤلاء العظمآء.
(الباقي اثنين)..
وقد باعوهم لأهل مكة – أهل مكة فرحوا جداً وقالوا: نُؤجل قتلهم حتى ندعوا القبائل العربية.
ماوية بن حُجيل: حُبس عندها خبيب بن عدى – على اعتبار أن أبوها من ضمن قتلى معركة بدر. نسمع شهادة ماوية قالت: (1) والله ما رأيت صاحباً خيراً من خبيب – والله ما نظرت في ليل أو نهار من خلل الباب إلا وجدته تالياً أو مصلياً. (2) قالت: وقد رأيته يأكل عنب وما بمكة من عنب – فدخلت عليه وقلت ياخبيب من أين لك هذا؟ قال هو من عند الله. (3) وكان لها طفلاً صغيراً يحبُ خُبيب وسيدنا خُبيب يقول: (لا تخاف من الغدر ، فالغدر من صفاتكم أنتم لأنكم كفرة وديننا يقول: أدى الأمانة لمن ءأتمنك ولا تخن من خانك). فكانت تترك ولدها يأكل عنب مع خُبيب.
فأحبته ماوية حتى قالت له: ماذا يفعل من يريد أن يدخل في دينكم؟
فعلمها خُبيب كيف تدخل في الدين – واكتمى عني (لا تقولي لأحد) ، فلما علم أنه سوف يُقتل قال لها: يا ماوية أعيرني موس. وأراد أن يتزين وهو شهيد.
فجآءت له بالموس وأرسلته مع ولدها. قالت: سبحان الله. لقد مكنت الرجل من رقبة ابني فرأها خُبيب وهى ترتاع قال لها: خشيت على ابنك من القتل ، ولكني أردت أن أتزين لملاقاة ربي. قال: (خذوا زينتكم عند كل مسجد). قالت: هو أنت لما تموت تذهب إلى المسجد؟ قال: المؤمن محرابه المسجد في الدنيا والآخرة.
وجآء يوم القتل وأخذوه من بيت ماوية – ماوية قيل أنها سلمت ، وكان أشئم يوم عليها. قال لها: إن شآء الله نجتمع كمؤمنين عند الله.
وقال لها: اكتمى إيمانك حتى لا يتهمونك في عرضك. نلتقي معاً في جنة الله.
المؤمن مؤمن لا يفقد إيمانه ولا في أحلك اللحظات (يثبتُ اللهُ الذين ءامنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفى الآخرة).
المؤمن: عند الموت ينطق بالشهادتين ويوصي أهله بكل خير إلى آخر لحظة.
وأخذوه وصلبوه على العمود.
هل فى بعد الموت شئ؟ هات معظم المساجين الذين حكموا عليهم بالإعدام والشيخ جآء يلقنه الشهادتين ويضعوا على وجهه الطاقية السوداء – تجدنه بشخصية متهالكه ليس لها حول ولا قوة ولابد من اثنين من العساكر الأقوياء الجسد يشدوه من جنابه لأنه ليس له عزم على المشي أو الحركة.
ولكن المؤمن عكس ذلك – المؤمن كعروس تزف إلى عريسها (وعجلت لك ربي لترضى) فرحان أنه يقابل ربه لأنه قد أعد الزاد والزواد – فهل نحن أعددنا ذلك؟
قال الكفار: ياخُبيب نحن على استعداد أن نعفو عنك إذا أنت كفرت بمحمد وسب القرآن والإسلام. قال خُبيب: أملكم في هواء وظنكم في هباء. والله لو عرضتم علي أن أتخلى عن ركعة واحدة من قيام الليل ما فعلت ذلك؟
وهم داعيين كل من قُتل له قتيل في معركة بدر يحضر ويضرب ضرب لكي يشف غيظه.
حول خُبيب وجهه إلى جهة الكعبة وقال: (وجهتُ وجهي للذى فطر السموات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين) ، فلما عرفوا أنه مستقبل الكعبة – وأن هذا شئ يرضيه قالوا: (حولوا وجهة عن الكعبة) – فقال: (لله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله). قالوا: نكسوا رأسه للأرض للذلة. قال: (اللهم إن رأس نكست ولكن إيمانى أرتفع) – (منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى) الأرض هي أمنا.. فزادهم غيظ على غيظهم – قالوا: ارفعوا رأسه إلى الأعلى.
قال خُبيب: (وفي السمآء رزقكم وما توعدون). ثم ألتفت إلى جهة المدينة وقال: (اللهم بلغ رسولك مني السلام وبلغه ما يصنع بنا القوم).
لقد أحضرونا باسم الوعظ ولكن غدروا بنا. وكان من ضمن الذين حضروا حفل الإعدام معاوية بن أبي سفيان ، ولم يسلم بعد – العرب كان عندهم عقيدة إن الواحد لما يقتل ظلماً تكون دعوته مستحبة (هذه عقيدة في الجاهلية).
صنع خُبيب شيئين: أنشد يقول:
إلى الله أشكو غربتي بعد قربتي وما صنع الأحزاب بي عند موتتي
ولست أُبالي حين أُقتل مسلماً على أي جنب كان في الله مصرعي
لما سمع الكفار ذلك عرفوا أنه لا يقبل أي مساومة ولا إغراء ، فقالوا: ياخُبيب من عادة العرب نسألك نفسك في إيه؟. قال: مكنوني من صلاة ركعتين. قالوا: تريد أن تتوضأ؟. قال: إني على وضوء.. قال: هل تظنُونا إني ألقى رب غير طاهر؟
قالوا: صلى، وكان من عادة خُبيب ويعرفها عنه الكفار، كان إذا صلى كأنه الحائط الواقف من اطمئنانه وخشوعه لدرجة أن الطيور تقف على رأسه وعلى كتفه ظناً منها أنه حائط،والطيور تزهق وتطير وهو واقف خاشع. وخُبيب أول من سن ركعتي القتل بالإجماع.
ولما علم الرسول – صلى الله عليه وسلم قال: (قد سن لكم خُبيب فستنوا بسنته). بمعنى: لما الواحد يقتل يكون آخر حاجة يلاقي الله عليها هي الصلاة. في هذه المرة صلى صلاة خفيفة على غير عادته. قال الكفار: ياخُبيب: كنا نعلم أنك تُطيل في الصلاة فما حملك على أن تُسرع؟. قال خُبيب: إني أحبُ مناجاة الله والتطويل في الصلاة ولكن خشيت أن تقولوا أني أهرب من لقآء الله. ثم صلبوه ، وقالوا سوف نبدأ الضرب.
فقال خُبيب: (1) اللهم أحصهم عدداً ، (2) وأهلكهم بداداً ، (3) ولا تبقى منهم أحداً.
فلما بدأ يدعو معاوية وأبوه – قال أبوسفيان لأبنه انبطح على الأرض – وكان في اعتقاد العرب أن المظلوم إذا دعى والظلم استلقى على الأرض ، فإن الدعوة لا تُصيبه ، فلما أنتم عارفين أنه مظلوم وبدأوا يطعنوا فيه.
كان موجود سيدنا سعيد بن عامر – رضي الله عنه – كان حاضر هذه المقتلة وبعد أن أسلم يقول: كلما تذكرت يوم خُبيب ظننتُ أن الله لا يقبل لي عملاً. مع أنه أسلم والله سبحانه يقول: (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف).
مع وعد الله أن الإسلام يجُب ما قبله قال: سعيد بن عامر: إلا خُبيب فقد حضرتُ مقتله وسمعتُ دعوته ورأيتُ ثباته ، وما حملني على الإسلام إلا هذا الرجل ومات مظلوماً.
المهم أن خُبيب لما بدأ الضرب ، فكلما تلقى طعنة قال: (لا إله إلا الله) كل ضرب بسكين أو رمح أو نبل يقول: لا إله إلا الله ، ولم يترك التوحيد حتى زهقت روحه.
وهو فى لحظة خروج الروح وهو مصلوب على العمود. الرسول أُصيب بكرب شديد ليس مثل الذى يحدث له عند نزول الوحي ، ثم أفاق فجأة ، وقال: (وعليكم السلام خُبيب بن عدى – قتلوه شهيداً الآن وروحه قبل أن يدخله الله الجنة قال: يارب أسمح لي أن أمر على رسولي فسلم عليه).
وأمر النبى – صلى الله عليه وسلم – علي والمقداد وعمرو لكى تأتوا بجثمان خُبيب لأن الكفار كانوا صلبينه ثلاث أيام.
الحراس الذين يحرصون خُبيب كانوا يشربون الخمر – فطلع على وأنزله من على العمود – ورغم أنه مات منذ أربعة أيام فما تغير منه شئ وتنبعث منه رائحة المسك.
وأركبا به على الفرس ولكن بعد هذا ماذا صنع الله بك يا خُبيب؟
تنبه الكفار الحارسين له – وساروا وراء سيدنا على وأصحابه ، وكادوا يصلوا إليهم – فبعد أن كان ستة قتلى سوف يكونوا (9) من خيار خلق الله.
وبسرعة عقدوا مجلس الشورى فقالوا: (الحي أولى من الميت). سيدنا علي: بسرعة نزل من على الفرس وأنزله ، وقال: اللهم تولى عبدك هذا ، وركب الفرس بسرعة قال عليُ: (والله لا أعلم أوضعي له على الأرض أسرع أم إنشقاق الأرض وبتلاعه).
بمعنى: ما شعرت إلا وأن الأرض انفتحت وبلعته (أماته فأقبره) ، وأول ما وصلوا إلى الرسول–صلى الله عليه وسلم–وقبل السلام عليه قال لهم:(ماذا صنع معكم بليع الأرض)؟؟.
قال الرسول – صلى الله عليه وسلم: (بلغني جبريل عليه السلام).
الأخير من الدعاة هو زيد بن الدثنة: ماذا فعل به الكفار؟؟
ولم يبقى فى غزوة مآء الرجيع اللهم إلا الشهيد السادس الأخير البطل المؤمن – الثابت – المحب – المخلص زيد بن الدثنة – رضي الله عنه وعن سابقيه ولاحقيه من الشهداء المؤمنين.
إن الستة الذى أرسلهم النبى – صلى الله عليه وسلم – دعاة بناءً على دعوة رُعل – وذكوان وعُضل – تلك القبائل التى غدرت بهؤلاء الدعاة الستة.
وأخيراً زيد بن الدثنة هو مسك الختام في حدث مآء الرجيع في العام الرابع الهجري. أخذوه من البيت الذى كان مأسُراً فيه إلى ساعة الإعدام فسأله أبوسفيان بن حرب بن أمية بن شمس وكان يومها كافراً أتحب أن تسلم من القتل وتعود إلى أهلك معافاً ويقتل بدلك محمد؟؟.
أحمر وجه زيد من الغضب وقال يا أبا سفيان: (لولا ما صنعتم بي من وثاق يدي لصفعت وجهك على هذه الكلمة أتُخيرني بين أن أعيش وبين أن يُقتل نبي مكاني والله لو خيرتني بين أن أبقى وبين أن يصاب نبي في أصبع من أصابعه لفضلت أن أموت دونه).
فعجب أبوسفيان وقال: والله ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً.
ثم تقدم أهل القتلى يوم بدر فضربوا كل منهم ضربات في جسد زيد بن الدثنة وهو صابر محتسب وهو صليب على العمود – لم يتضعضع ولم يستكن ولم يتوجع أبداً. وإنما لقى الله مؤمناً ءامناً صابراً ثابتاً.
هكذا رباهم الإسلام على أن يعيشوا كراماً. وإن يلقوا الموت باسمين.
وبإستشهاد زيد بن الدثنة وقبله خُبيب بن عدى – ومرثد بن أبي مرثد الغنوى – عاصم بن ثابت – خالد بن بكير – عبدالله بن طارق.
أنتهى هؤلاء الستة الشهداء قتلى ضحية لهذا الإسلام وفداءً لهذا الدين الذى بذلوا في سبيله الروح..