أهمية الخطبة بالنسبة لعقد الزواج

 

بسم الله الرحمن الرحيم

  الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على شفيع الأمة ، وعلى كاشف الغمة ، وعلى مجلى الظلمة ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

ما أهمية الخطبة بالنسبة لعقد الزواج؟

عقد الزواج:عقد يعنى الإرتباط الدائم بين الزوجين لعفة النفس عند كل من الزوجين – هذا العقد لابد وأن تسبقه فترة يتعرف فيها كل من الزوجين على الآخر ويطمئن فيها وتطمئن الزوجة أنه الرجل الصالح الذى تريده وتهدأ نفسها إليه وتستريح للحياة والعشرة معه من أجل هذه المعانى المشتملة.

شرع الله الخطبة لكى تكون مقدمة تُمهد لعقد النكاح حتى إذا تم العقد بعدها يكون قد تم على بصيرة ونور وهداية من الطرفين.

والخطبة سنة قديمة أقرها الإسلام ، ووكل أمرها لعرف الناس وعاداتهم وهى مقدمة من مقدمات الزواج.

فعلى أساسها يتاح لكل من الرجل والمرأة أن يتعرف على الآخر ويعرف أحواله الإجتماعية والصحية والإقتصادية وتعطى لكل منهما الحق فى التحرى عن صاحبه والوقوف على حسبه ونسبه ، وعلمه وخبرته بشئون الحياة قبل الإقدام على عقد القران الذى يدوم بينهما مدى الحياة.

أجاز النبى – صلى الله عليه وسلم – الخطبة وأقرها وأجاز للخاطب أن يرى مخطوبته وأن يتكلم معها حتى تدوم الألفة وتزرع المودة بينهما.

استمع إلى قصة المغيرة بن شعبة حينما خطب امرأة ليتزوجها فسأله رسول الله – صلى الله عليه وسلممُشرع السنة ومعلم الملة: (أنظرت إليها) ، قال: لا ، فقال صلوات الله عليه وسلامه: (أُنظر إليها فإنه أحرى أن يُؤدمُ بينكما) دوام العشرة – دوام الألفة.  قال صلى الله عليه وسلم: (فأذهب فانظر إليها ، فإن فى أعين الأنصار شيئاً).

بمعنى:  صفر أو عمشى.

وتحدث القرآن عن تنظيم الخطبة حيث قال عز وجل فى سورة البقرة(235).

(وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ).

بمعـنى:  لا يجوز للرجل أن يتقدم لخطبة المرأة وهى فى العدة بل لابد أن ينتظر حتى تنتهى عدتها.

فقد نفى الله تبارك وتعالى الجناح هو الإثم والحرج عن الرجال فيما يلوحون به من الكلام الذى لا يفيد طلب الزواج من النسآء صراحة ورفع عنهم الإثم فيما يضمرونه فى أنفسهم من الرغبة فى الزواج فيمن لا تزال فى عدتها.

ولذلك لعلم الله تعالى أن الإنسان لا يستطيع أن يكبت رغباته فيما يشتهى ويحب. (ولكن لا تواعدُهُن سراً).

معناها كما قال ابن كثير وكثير من السلف لا تقول لها: (إنى عاشق وعاهدينى فلا تتزوجى غيرى).

ويقول النبى – صلى الله عليه وسلم: (لا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يذر) يترك.

بمعــنى: أى لا يجوز للرجل أن يخطب امرأة مخطوبة إلا إذا تنازل الخاطب الأول أو ترك – وهذا أدب كريم من آداب الإسلام.

وقد ينجم عن هذا التصرف (الخطبة على خطبة) الشقاق بين الأسر واشتعال نار العداوة بين الخاطب الأول والخاطب الثانى.

أما إذا لم تصرح له المرأة أو وليها بالرضا أو لم يعلم الخاطب الثانى بخطبة الأول فلا حرج فى أن يتقدم لخطبتها.

وقد وضع الإسلام حدوداً لضبط أحكام الخطبة ومنها:

(1)           لا يجوز خطبة المرأة وهى متزوجة هذا عدوان على حقوق الغير.

(2)           لا يجوز خطبة المرأة المعتدة الرجعية لا بالتصريح ولا بالتعريض.

لماذا لأنها فى حكم الزوجة.

(3)           لا يجوز خطبة المعتدة من عدة بائن بالتصريح لماذا؟

أن المعتدة من الطلاق البائن عدتها فى الغالب الحيض.  فإذا جازت خطبتها دفعها الطمع والرغبة فى الزواج إلى الخيانة فى الأخبار عن العدة وهى أمينة على نفسها فى ذلك.

(4)           وأما المعتدة من وفاة فعدتها بالأشهر – فلا سبيل إلى الكذب ولا الخيانة فى تعجيل عدتها.

وقال الله عز وجل فى سورة البقرة الآية (234):

(وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا). 

       وقد يعجب الإنسانُ لهذا الرقم المحدد (أربعة اشهر وعشراً) لمَ لم يقُل اللهُ: 4 أشهر أو 5 أشهر أو شهرين؟ أو ثلاثة أشهر؟.

قال علماءُ الطب:  (تمر المرأة الحاملُ بثلاث مراحل: (1) مرحلة الشك وفيها ينقطع دمُ الحيض – وإنقطاعُه علامة على حمل المرأة ولكن هل هى علامة قاطعة؟ لا ، قد تتوقف هذه الدورة لأسباب معينة ، كالاضطرابات النفسية ، أو الهرمونية ، كل هذا يستدعى أن تنقطع الدورة الشهرية ، (2) مرحلة الظن ، حيث تأتيها أعراض نفسية كالشعور بالكآبة – القئ والغثيان والميل إلى العزلة – اصطلح الناسُ على تسميتها الوحم ، حيث أغلبُ الظن أنها فى هذه المرحلة حامل.  ولكن هل تُعدُ هذه المرحلة دليلاً قاطعاً على الحمل؟  الجوابُ: لا لماذا؟  ذلك أن هناك أعراضاً اسمُها أعراضُ الحمل الكاذب – فقد تُفاجأ المرأةُ بأن الدورة قد جآءتها ، وألغى الحملُ.

       ولكن فى اليوم السادس والعشرين بعد المئة (126) أى فى اليوم العاشر بعد الأشهر الأربعة التى ذكرها القرآنُ الكريمُ ينضُ قلبُ الجنين ومع نبض قلبه يتحرك – وتشعُر المرأة بحركته تلك.

وعندها تدخلُ المرأة مرحلة ثالثة هى (3) مرحلةُ اليقين ، فحركة الطفل فى أحشاء أُمه دليل قطعى على الحمل.  وهذه الحقائق الطبية تنطبق مع القرآن الكريم انطباقاً عجيباً.

مثالاً للتعريض:(1) أنت امرأة صالحة ، (2)  كل الرجال يحبون أن تكون لهم زوجة مثلك ، (3) وأنا حريص عليك ، (4) أو يذكر لها حسبه ونسبه ومكانته فى المجتمع.

       وقد دخل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على أُم سلمة وكانت متزوجة ابن عمها أبى سلمة فتوفى عنها – فلم يزل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يذكر لها منزلته من الله.

والمهم الأهم:أنه لا يجوز الإختلاط والخلوة بالمخطوبة فهى أجنبية والخلوة بها حرام حتى يتم العقد.

       وما نشاهده الآن عند بعض الناس من عدم الإلتزام بأمر الشرع فى هذا المقام – وترك الخاطب يخرج مع مخطوبته قبل العقد ويختلى بها ويسافر بها إنه نوع من فتح الباب للرذيلة التى لا ينتج عنها إلا سوء العاقبة – والبنت هى التى يجنى عليها فى النهاية ، وهى الخاسرة.  ويجب أن يكون معهم محرم كالأب أو الأخ.

الدليـل:قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم:

       (لا يخلُون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ، ولا تسافر المرأة إلا ومعها ذو محرم).

الدليل الثانى:(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها فإن ثالثهما الشيطان).

         لا نترك الحبل على الغارب.

       وهناك مجموعة من الناس على النقيض من ذلك طآئفة جامدة متشددة – لا تسمح للخاطب أن يرى مخطوبته إلا عند الزفاف.  وهذا يتنافى مع روح الدين وسماحته فقد عرفنا أن النظر إلى المخطوبة من الأمور المباحة شرعاً.

فوائد الخطبة:

(1)           تفتح الباب لكلا المخطوبين فى التعرف على الآخر.

(2)           توثيق العلاقة بين الرجل والمرأة قبل الزواج.

(3)           الخطبة تؤدى إلى دوام العشرة كما قال النبى – صلى الله عليه وسلم: (اذهب فانظر إليها).

(4)           فى الخطبة يتعرف كل من الخاطب والمخطوبة على حدود ما فى نفس الآخر – وبالتالى يعمل كل منهما على إسعاد الآخر – والبعد عما يضايقه فى الحياة الزوجية.

قراءة الفاتحة:هل هى من الشرع؟

       أعتاد كثير من الناس أن يقرأوا الفاتحة بعد إعلان الخطبة للتأكيد – ولا أصل لها فى الشرع – (2) ولم يثبت عن النبى – صلى الله عليه وسلم – ولا عن أصحابه أنهم قرءوا الفاتحة فى الزواج.

         قراءة الفاتحة فى الخطبة عادة وليست عبادة.

الشــبكة:    اعتاد الناسُ قديماً وحديثاً أن يقدم الرجل لمن خطبها لنفسه هدية عند الخطبة أو بعدها.

       وهذه عادة حسنة يستحبها الشرع تأليفاً للقلوب وتوثيقاً للصلات وتقوية للروابط الأسرية الجديدة.

ولكن تكره المبالغة فى الشبكة إلى الحد الذى يضر بالرجل ويرهقه مادياً ، فإن الإسراف مذموم شرعاً وخير الأمور أوساطها.

مصداقاً لقول الله تعالى فى وصف عباده الصالحين سورة الفرقان الآية (67):

(وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا)

(وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا) سورة الإسراء (29).

جرى العرف فى كثير من المدن والقرى المصرية والبلاد الإسلامية الأخرى أن يشترط أهل المرأة على الخاطب أن يقدم لمخطوبته هدية عينية من الذهب أو الفضة (الشبكة) ويعتبرون هذه الهدية أمراً ضرورياً.

وهذه الهدية العينية ليست واجبة شرعاً ولا هى من المستحبات ولكنها من المباحات يجوز فعلها – وتركها أولى من فعلها.

حذر الإسلام من المغالة فى الشبكة والمغالة فى المهور– ( بذلك طفشوا الشباب)

والشبكة سنة لأن تهادوا تحابوا ، (2) وتكون الشبكة على قدر طاقة العريس ولا ترهقه – لأن العروس التى تخرب بيت عريسها من قبل أن ترى خلقته هذه تكون دمار وهلاك.

العدول عن الخطبة:

       إذا خطب الرجل امرأة ورضيت به زوجاً واعطته بذلك وعداً فلا ينبغى أن يعدل عنها إلى غيرها – ولا أن تعدل عنه إلى غيره دون مبرر مقبول – لان خلف الوعد خصلة من خصال النفاق والمنافقين.

       مصداقاً لقوله – صلى الله عليه وسلم – الذى رواه البخارى ومسلم:

       (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً –ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا اؤتمن خان – (2) إذا حدث كذب  (3) إذا وعد أخلف  (4) إذا عاهد عذر.

       فهل يليق بالمسلم أن يتقدم إلى امرأة مسلمة قد أعجبته خُلُقها ودينها ثم يعدل عنها لمجرد أنه رأى من هى أجمل منها أو أكثر مالاً إلى آخر هذه المظاهر البراقة.

       ولكن إذا كان هناك للعدول عن الخطبة مبرر مقبول وسبب معقول فلا مانع منه.        قال الله تعالى فى سورة النسآء (130)

(وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا)

ما هو حكم رد الهدايا:

على الخاطب إذا عدل عن خطبته؟؟

       إذا عدل الخاطب عن خطبته لسبب من الأسباب فهل يجوز له أن يسترد ما قدمه لمخطوبته من الهدايا العينية وغير العينية؟

       اختلف الفقهاء فى ذلك:  (الحنابلة).

(1)          الرأى الأول:  لا يجوز له أن يسترد شيئاً من هداياه حتى الشبكة لأنها هبة والهبة لا يجوز الرجوع فيها.

ودليلهم على ذلك حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم:

(لا يحل لرجل أن يعطى عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطى ولده).

 

(2)          الرأي الثانى:  (الحنفيون).

إن للخاطب الحق فى إسترداد ما وهب إن كان قائماً على حاله لم يتغير كالإسورة والخاتم والساعة ، فإن لم يكن قائماً على حالته بأن فُقد أو بيع أو كان طعاماً فأكل أوقماشاً فخيط ثوباً فليس للخاطب حق فى استرداده.

(3)          الرأي الثالث:  (الشافعية).

ترد الهدية مطلقاً سواء كانت قائمة على حالها أم كانت غير قائمة وإن هلكت أو فقدت أُخذ قيمتها ، لأنها هبة فى مقابل الزواج – والزواج لم يتم.

(4)          الرأى الرابع:  (المالكية).

إن كان العدول من جهته فليس له الحق فى إسترداد ما وهب.

وإن كان العدول من جهتها هى فله الحق فى استرداده.

والرأى الراجح:

      هو رأى المالكية لأنه رأى عدل.

 

 

( والحمد لله رب العالمين )

 

 

اترك تعليقاً