تدبير المنزل من حقوق الزوج على زوجته

بسم الله الرحمن الرحيم

      الحمدلله رب العالمين ، والصلاة والسلام على من دخل حرمه خائفاً أمنه الله ، وعلى من لاذ بجانبه أعزه الله ، وعلى آله وصحبه وسلم.

وبعد:

       الزواج يا أخواتى ليس لعبة أو فسحة لا ، فالبيت أشبه بإدارة حكومية تتمثل فيها جميع المصالح ، وهى تتطلب مديراً حازماً يقظاً لبقاً ، صقلته الحياة بأحداثها ، وحنكته بتجاربها ولا يستطيع أن يقوم بهذه المهمة على خير وجه إلا رجل وفقه الله واتبع المنهج السليم.

       ولهذا جعله الإسلام فى موضوع التقدير ، بل جعل سياسة الرجل فى المنزل مقياساً للقيادة والتوجيه فى الحياة العامة.

       وبذلك يكون لهذا الزوج المدبر لأمر أسرته حقوق على زوجته مثل (1) طاعته ولقد تكلمنا عنها ، (2) والمحافظة على شرفه ، (3) والمحافظة على شعوره – والآن نتكلم عن الحق الرابع وهو تدبير المنزل وهذا الحق له عدة مجالات نقتصر على اثنتين هما: أولاً: الخدمة ، وثانياً: حفظ المالثم الحق الخامس للزوج على زوجته هو: تربية الأولاد.

       فنبدأ والله المستعان بخدمة الزوجة لزوجها وهو مظهر من مظاهر المشاركة والتعاون فى بناء الأسرة.

عند اليهود:  فى سفر الأمثال – إصحاح 31 10- 31  فى صفحة المرأة المثالية: (1)تقوم الليل تعطى لبنيها أكلاً ولجواريها ما يكفيهن , (2) فلا ينطفئ فى الليل سراجها ، (3) تلقى يديها على الفلكة – وأناملها تمسك المغزل.

عند المسيحية:  فهى خادمة لزوجها قائمة على شئون بيته.

الاســـلام:وقد مارست نسآء الإسلام خدمة أزواجهن من عهد النبوة إلى الآن –مثـال:  أسمآء بنت أبى بكر الصديق ، كانت تساعد زوجها الزبير بن العوام– تعلف فرسه وتكفيه مؤنته وتدق النوى وتعلفه وتستقى الماء وتنقل النوى على رأسها من 2/3 فرسخ وأن الرسول – صلى الله عليه وسلم – لقيها هو والصحابة والنوى على رأسها حتى أرسل إليها أبوها بجارية فكفتها ذلك.  (والحديث رواه مسلم).

       وجآء فى كشف الغمة جزء (2) صـ 110.

قالت أسمآء:  ولم أكن أحسن الخبز، فكان يخبز لى جارات من الأنصار، وكن نسوة صدق.

مثال 2:  وكانت السيدة فاطمة تطحن بالرحى حتى تتألم يدها.  وقال على كرم الله وجهه لابن أم عبد:  (عبدالله بن مسعود) ألا أحدثك عنى وعن فاطمة بنت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كانت من أحب أهله إليه؟ قلت: بلى ، قال: إنها (1)جرت بالرحى حتى أثرت فى يدها ، (2) واستقت بالقربة حتى أثرت فى نحرها ، (3) وكنست البيت حتى أغبرت ثيابها ، فأتى النبى – صلى الله عليه وسلم – بخدم ، فقلت لها: لو أتيت أباك فسألته خادماً؟  فأتته فوجدت عنه أحداثاً، فرجعت ، فأتاها من الغد ، فقال: (ما كانت حاجتك) فسكتت ، فقلت: أنا أحدثك يا رسول الله – إنها جرت بالرحى حتى أثرت فى يدها – وحملت القربة حتى أثرت فى نحرها ،فلما ان جآء الخدم أمرتها أن تأتيك تستخدمك خادماً يقيها حر ما هى فيه – فقال: (اتقى الله يا فاطمة ، وأدى فريضة ربك – وأعملى عمل أهلك وإذا أخذت مضجعك فسبحى 33 – وأحمدى 33 وكبر34، فذلك مائة هى خير لك من خادم). قلت: رضيت عن الله وعن رسوله ولم يخدمها خادم.   أخرجه الخمسة إلا النسائى.

       … خدمة البيت تلزم الزوجة ولو كانت ذات قدر وشرف ولكن إذا كان الزوج معسراً.

       وخدمة الزوجة زوجها هى عادة جميلة فى معاشرتها لزوجها.

       وجآء فى كشف الغمة جزء (2) صـ 109.

       أن النبى – صلى الله عليه وسلم – حكم على فاطمة بالعجين والطبخ والفرش وكنس البيت واستقاء الماء.  وكان علىُ يقول: قلت لأمى فاطمة بنت أسد:  اكفى فاطمة بنت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – (1) سقاية الماء ، (2) والذهاب فى الحاجة ، وتكفيك خدمة الداخل كالطحن والعجن.

       نجد أن إتقان عمل البيت مقياس لمهارة المرأة فى كثير من البيئات وأن التراخى والكسل عنه تضيع من قدرها فى عين الزوج.

مثال1:  والنسآء فى قبيلة تاجا بالهند يعلقن أجراساً على أجسامهن ليتأكد الزوج أنهن غير كسولات ، فهى فى حركة مستمرة تدل عليها الأجراس.

       كما قال الرحالة محمد ثابت.

       خدمة المنزل دليل على: (1) تفانى المرأة فى حب زوجها ، (2) ومحاولة كسب رضاه ، وهناك بلاد ودول معروف عن نسآئها مهارتهن فى خدمة المنازل (رومانيا) ، (نابلس) ، كما ثبته الرحالة محمد بن ثابت فى كتابه.

ثانياً:  حفظ المال:الزوجة أصبحت شريكة للزوج – يتقاسمان معاً هموم الحياة ، ويواجهان مطالب الحياة.  وعلى الشريكين أن يرعيا الأمانة حتى يبارك الله لهما.

       ولا تكون المرأة كما يقول المثل العصرى:

       (إن حساب البنك المشترك بين الزوجين يكون دور الزوج فيه إيداع النقود ، ودور المرأة هو سحبها).

       الأمانة مطلب دينى من كل مسلم والحديث الشريف جعل المرأة راعية فى مال زوجها وبيته.

       إن ميزانية البيت إذا كانت الزوجة تشترك فى وضعها والتخطيط لها فإن نصيبها فى التنفيذ يكون أكبر ن نصيب الزوج لماذا؟  لأنها تلمس مطالب البيت عن قرب.

وتتلخص المحافظة على ماله فى أمور ثلاثة:

(1)           عدم ضياعه وإتلافه.  (2) عدم الإسراف فيه.   (3)  تنميته.

أولاً:  عدم ضياعه وإتلافه:  عدم سرقته أو خيانته أو إتلافه بحرق أو كسر – ومعلوم من الدين بالضرورة أن السرقة والخيانة وإتلاف المال المملوك للغير حرام مصداقاً لقوله – صلى الله عليه وسلم: (إن الله كره لكم ثلاثاً قيل وقال – وكثرة السؤال – وإضاعة المال).    رواه مسلم عن المغيرة بن شعبة.

ملحوظة:  والسرقة تتحقق حتى لو كان المسروق يصرف عليها هى وأولادها مادامت عندها الكفاية – فإن لم تكن كفاية جاز لها أخذ ما يكفيها هى وأولادها.  بدليل حديث هند مع النبى – صلى الله عليه وسلم.

ثانياً:  عدم الإهمال فى الطعام حتى يفسد:  أو الملابس حتى تتلف – أو أى شئ آخر تجب العناية ويتلفه الإهمال.

ثالثاً:  عدم التصدق من ماله بغير إذنه:  مصداقاً لحديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم: (لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها)  رواه أحمد وأصحاب السنن.

الحديث الثانى:  وعن أبى أُمامه – رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم يقول فى خُطبة عام حجة الوداع: (لا تنفق المرأة شيئاً من بيت زوجها إلا بإذن زوجها) قيل: يارسول الله ولا الطعام؟  قال: (ذلك أفضل أموالنا) رواه الترمذى.     الترغيب ج 1 صـ 258.

       وكما قال ابن قدامه فى المغنى:  (ولا يحل لها أن تتصدق من مال زوجها إلا بإذنه فإن أذن لها فالأجر بينهما – فإن فعلت بغير إذنه فالأجر له والإثم عليها).

       إذاً لابد من إذن الزوج وإلا فلا أجر لها وعليها الوزر.

والدليل على أخذ إذن الزوج:

       قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن أبى هريرة – رضى الله عنه: (لا تصم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه – ولا تأذن فى بيته وهو شاهد إلا بإذنه ، وما أنفقت من كسبه من غير أمره فإن نصف أجره له).  رواه مسلم.

       يجوز بغير إذنه أن تأكل وتتصدق من الطعام الرطب.  بمعـنى: ما يفسد لو ترك – مصداقاً لقوله – صلى الله عليه وسلم: (الرطب تأكلنه وتهدينه) فإذا كان التصدق وهو بر وخير.

       … لا يسمح به للمرأة بغير إذن زوجها – فإن إعطاء شئ من ماله إلى أقاربها أو أصدقائها أو أية جهة غير جائز.

       وكذلك مثله عمل وليمة أو تقديم هدايا من ماله بغير إذنه.

ثانياً:  عدم الإسراف: 

(1)           عدم إرهاق الزوج بطلب الكماليات التى تُؤثر على الميزانية تأثيراً سيئاً.  ما يتصل بالمأكل والملبس والأثاث.  والحذر كل الحذر من تقليد الغير فى الكماليات.

فإنها تؤدى إلى الإستدانة أو الإختلاس إن استجاب الزوج إلى ما تطلبه الزوجة.

يجب علينا أن ننظر فى مثل هذه الأمور إلى من هو دوننا وأقل منا ، ولا ننظر إلى من هو فوقنا.  (والكماليات لا حدود لها).

يقول المثل الحكيم:

(إن المرأة مخلوق عجيب ، تطلب الفراء زاعمة أنه يقيها البرد ، مع أنها تخرج فى جورب شفاف وحذاء مكشوف.

(2)           على الزوجة فى إعداد الطعام أن تجعله كافياً لا زيادة فيه كماً ولا كيفاً ، فإن الإكثار منه (1) إما ضار بالصحة إن أكل– (2) وإما صائر إلى الفساد إن ترك دون حفظ.

(3)           إتقان بعض الأعمال المنزلية الخفيفة – التى توفر أجرها مثل كي الملابس – حياكتها – وزخرفة البيت.

وكما قالت الإعرابية لابنتها ليلة زفافها:  اصحبيه بالقناعة قد تطلع نسآء النبى – صلى الله عليه وسلم – إلى إمتاعهن كما تتمتع نسآء كسرى ، فغضب منهن وخيرهن بين المقام معه على ذلك أو تطليقهن ليتمتغن كما يشأن (1) فأخترنه – ولفت الرسول – صلى الله عليه وسلم نظرهن إلى الطاعة فهى الباقيات الصالحات. (2) وسلك مثل هذا المسلك مع ابنته فاطمة حين لم يجب طلبها وهو الخادم.  قال الله تعالى فى سورة الأحزاب الآية 28 ، 29:

(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا(28)وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا(29).

ثالثاً:  تنمية مال الزوج فيتحقق بأمور منها:

(1)           مزاولة أعمال داخل البيت كالخياطة أو خارجه عند الحاجة وسعادة الحياة الزوجية تقتضى أن تسهم الزوجة بمالها الخاص فى البيت.

خامساً:  من حقوق الزوج على زوجته تربية الأولاد:

       تربية الأولاد (1) جسماً ، (2) عقلاً ، (3) وخلقاً واجبة على الأبوين وأثر الأم على أولادها يتعدى مرحلة الطفولة.

مثال 1:  موقف اسماء بنت أبى بكر من ولدها عبدالله بن الزبير وهى تشجعه ليثبت أمام الحجاج وقد قالت له: عش كريماً ومت كريماً – ولماقالها: أخاف أن يمثلوا بى ، قالت له: (وما يضر الشاة سلخها بعد ذبحها).

مثال 2:موقف الخنساء وهى تشجع بنيها على خوض معركة القادسية ، قالت لهم: يابنى إنكم أسلمتم طائعين ، وهاجرتم مختارين ، والله الذى لا إله غيره إنكم لبنو رجل واحد ، كما أنكم بنو امرأة واحدة ، ما خنتُ أباكم ، ولا فضحتُ خالكم، فإذا أصبحتم غداً إن شآء الله سالمين فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين ، وبالله على أعدائه مستنصرين.

       وهذه صورة من صور أثر الأم فى تربية الأولاد.

       ونجد أن دورها قد يفوق دور الأب خصوصاً فى أيام الطفولة الأولى ، لكثرة ملازمتها لهم وشدة حنوها عليهم وتعلقهم بها وما تتمتع الأم به من استعدادات كالصبر والتحمل.

       روى الطبرانى وابن عساكر والحسن بن سفيان عن سلامة حاضنة إبراهيم بن الرسول – صلى الله عليه وسلم: (أما ترضى إحداكن أنها إذا كانت حاملاً من زوجها وهو عنها راضى (1) أن لها مثل أجر الصائم القائم فى سبيل الله ، فإذا أصابها الطلق لم يعلم أهل السمآء والأرض ، (2) ما أخفى لها من قرة أعين ، فإذا وضعت لم يخرج من لبنها جرعة ولم يمص من ثديها مصة إلا كان لها بكل جرعة وبكل مصة حسنة ، فإن أسهرها ليلة كان لها مثل أجر سبعين رقبة تعتقهم فى سبيل الله (مرآة النسآء فيما حسن منهن وساء صـ 19)

       إن الولد فى يد الأم كالعجينة تشكل منه ما تشآء ، فكل مولود يولد على الفطرة ، الأم تستطيع أن تخلق بحسن توجيهها مع العوامل الأخرى ، من الطفل شجاعاً بطلاً ومواطناً صالحاً وعضواً نافعاً فى المجتمع.

       فهى بجانب ذلك تغذية الولد باللبن ووراثته لصفات الأبوين تنعكس فيه صورة أبيه وأمه فى الأخلاق والسلوك.

       (رب يسر وأعنى بحولك وقوتك يا أرحم الراحمين).

 

( والحمدلله رب العالمين )

 

 

 

اترك تعليقاً