تفسير سورة الواقعة الآية 1 : 26

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد ،،،

          فنزلت هذه السورة قبل هجرة النبى – صلى الله عليه وسلم – إلى المدينة واستثنى بعضهم آيتين 81 ، 82 فهما مدنيتان.

          (أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82).

مدهنون:   تُلينون القول مع المكذبين

          رقم سورةالواقعة في المصحف 56 ولكن رقمها عند التنزيل 46 ، عدد آياتها 96 آية وقد نزلت هذه السورة بعد سورة طه.

فضل هذه السورة:

          قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (شيبتني هود وأخوتُها الواقعة والحاقة والمرسلات وعم) ، جلبت الشيب قبل أوانه من شدة ما فيها من آيات العذاب ومقت الله وغضبه على من أكل خيره وعبد غيره.

          فكانت هذه السورة من جملة السور التى جعلت الشيب يسرع إلى شعر النبى الكريم حتى قالت عائشة – رضي الله عنها: (كنت أعدُ ثلاثاً وعشرين شعرة بيضاء في شعر لحية النبى – صلى الله عليه وسلم).

موضوع السورة:

          تبدأ السورة بتهويل وتفخيم وتهديد ووعيد ، حتى أن الله يذكر الشرط ولا يذكر جواب الشرط حتى يذهب العقل إلى الخوف من الله.

          إذا وإن الشرطية لها جواب (إذا جآء فلان حصل كذا) ، (إذا فعلت كذا يحصل كذا).

          ولكن رب العزة كرر الشرط مرتين ولم يذكر له جواباً.

          (إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2).

          كأن ربنا يريد أن يقول لايوجد ألفاظ تتسع أو تستطيع أن تصف ما سوف يحدث ، لأن الذى يحدث يفوق عقولنا (إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ) كما قال الله في سورة النجم الآية (57 ، 58):

          (أَزِفَتِ الْآَزِفَةُ (57) لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (58).

          وسورة الطور الآية (7 ، 8):

          (إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8).

          (إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ) إذا حلت الداهية المصيبة الكبرى ، إذا جآء يوم القيامة إذا جآء الميعاد من رب العباد لحساب العباد.

          ولو اجتمع أهل الأرض والسمآء والملائكة على تأخير موعد القيامة لا يستطيعون.

          كلنا نعلم إن إذا تفيد تحقق الوقوع ، من أسماء يوم القيامة الواقعة – الصاخة ، الآزفة ، الطامة ، يوم التغابن.

أركان الإيمان خمسة:

          الإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين ، والركنان المتلازمان دائماً هما الإيمان بالله واليوم الآخر.  إنك إن أيقنت أن الله موجود يعلم وسيحاسب والجزاء أبدى أما في جهنم إلى الأبد وإما في نعيم مقيم إلى الأبد ، عندئذ تستقيم.

          فسورة الواقعة كلها حول اليوم الآخر ، والإيمان باليوم الآخر قلب الإيمان.

          إذا جعلت الدنيا دار إقامة ما إن جعلتها محط الرحال نهاية الأمال شقيت بها ، وأما إن جعلتها طريقاً إلى الدار الآخرة تسعد بها.

          وجآء الفعل بالصيغة الماضية (إذا وقعت) كما في سورة النحل الآية (1):

          (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ)

          الله وحده يخبرنا بالفعل الماضي لتحقق الوقوع.

          فأخبار الله لنا يجب أن تقع موقع الرؤية ، وأفعال الله المستقبلية ينبغي أن تقع في قلوبنا وكأنها وقعت في الماضي لأن المتكلم هو الله ، هو خالق الكون.

          إذا قامت القيامة التى لابد من وقوعها ، وحدثت الداهية التى ينخلع لها قلب الإنسان ، كان من الأهوال ما لا يصفهُ الخيال.

أوصاف يوم القيامة:

          (خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3).

          في هذا اليوم سيقلب كل المقاييس ، إنسان يقيم عرساً لأبنه كلفه 16 مليون جنية ، وإنسان ليس معه ثمن رغيف عيش.

المؤمن في أعلى الدرجات وأعداء الله في الحضيض:

          الذين كانوا في أوج الغنى أصبحوا في حضيض الفقر ، والذين كانوا في أوج الصحة والتمكن أصبحوا في عذاب أبدى ، والذين كانوا في الفقر المدقع وقد قبلوا من الله حكمه ورضوا بأفعاله ورضوا بقضائه وقدره وتعففوا وتجملوا سيصحون في نعيم مقيم إلى أبد الأبدين.

          المستقيم والمطيع لله سوف يكون في أعلى مراتب الآخرة ، والبعيد عن منهج الله ، الشارد عن ربه المقيم على المعاصي ، ولو كان في أعلى درجات المجتمع غني وقدره وتألقاً وشهره سوف يكون في الحضيض.

          فالعبرة لا فيما نحن عليه ولكن فيما سنكون عليه.

من خصائص يوم القيامة:

          نجد في الدنيا الإنسان يرتفع فجأة أو يسقط فجأة لكن يوم القيامة من خصائصه أنه يقلب موازين الأرض:  الغنيى ، فالغنى محترم في الأرض.

(2)القوة ، فالأقوياء يرهب جانبهم.           (3) الأغنياء يُطمع في مالهم.

(4)ومن أوتوا حظاً من الوسامة يتألقون في المجتمع.

(5)وكذلك من أوتوا حظاً من طلاقة اللسان.

هذه كلها حظوظ الدنيا فإذا جآءت الواقعة ، انقلبت الموازين ، النبى – صلى الله عليه وسلم – مر مع أصحابه على قبر فقال: (صاحب هذا القبر إلى ركعتين مما تُحقرون من تنفلكم خير له من كل دنياكم).  الدنيا فيها أموال ، فنادق ، شركات ، متنزهات ، أماكن جميلة ، نسآء فيها كل شئ ، قال: (ركعتين نافلتين مما تحقرون من عبادتكم خير له من كل دنياكم).

          (خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3).

قال الحسن البصري:  (تخفض أقواماً إلى الجحيم وإن كانوا في الدنيا أعزة ، وترفع آخرين إلى أعلى عليين وإن كانوا في الدنيا وضعاء كما قال الألوسى والبيضاوي وأبي السعود).

          (إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4).

          الله عز وجل يعطينا نماذج مصغرة جداً في الدنيا ، صور (1) الزلازل المخيفة ، (2) إنهيار الأبنية، (3) تصدع الجسور، (4) التواء الطرق، (5) إنشقاق التربة، أن يدفن الناس تحت الأرض.

        وهذا زلزال أرضي لمدة أربع ثواني وقوته ستة ريختر فعل ما فعل ، فكيف إذا وقعت الواقعة؟

          تخيل أن الأرض تسبح بالسرعة المذهلة في فضاء لا نهائي.

          (وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5).

          تفتت حتى صارت كالدقيق المبسوس ، بعد إن كانت شامخة (جبال هملايا) إرتفاعها ما

 يقرب 9000 متر ، تصبح هباءاً منثوراً رمل.

          (فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (6).

          هباءً :  غُباراً

          هباء منتشر في كل مكان ذرات عالقة في الجو ، موزعة في كل مكان فصارت الجبال العالية الشاهقة غُباراً متفرقاً متطايراً في الهواء ، نراه في أشعة الشمس وهي داخلة من النافذة لما كانت هذه الجبال هباء وأنا الذى من لحم ودم وشحم إذا فعل الله بالجبال وبالأرض هذا فأين يذهب المكذبين والكافرين والمنافقين والعاصين والمتكبرين.

أنواع البشر يوم القيامة:

          (وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7).

          نحن في الدنيا ملل وأعراف شعوب وطوائف ، الشعوب السامية ، الشعوب الإفريقية ، شعوب متفرقة ، وأخرى متخلفة ، شعوب منتجة وشعوب مستهلكة ، شعوب راقية ، شعوب جاهلة كل هؤلاء يوم القيامة ثلاث أصناف.

          (وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7).

          (فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11).

          قوم عن يمين العرش ، وهم الذين يؤتون كتبهم بإيمانهم وهم جمهور أهل الجنة ، وآخرين عن يسار العرش ، وهم الذين يؤتون كتبهم بشمالهم ويؤخذ بهم ذات الشمال وهم عامة أهل النار ، وطائفة سابقون بين يديه عز وجل وهم أحظى وأقرب من أصحاب اليمين فهم الرسل والأنبياء والصديقون والشهداء وهم أقل عدداً من أصحاب اليمين.

 

أولاً:  أصحاب اليمين:

          الذين أخذوا بالمباحات وأطاعوا الله عز وجل وهم الذين طبقوا منهج الله.

ثانياً:  أصحاب الشمال:

          خرجوا عن منهج الله وانهمكوا في الملذات المحرمة.

(1)ربنا سوف يجمع الحبايب مع بعض سواء كانوا حبايب على ضلال أو حبايب على الطاعة مصداقاً لقوله تعالى:

          (أحشروا الذين ظلموا وأزواجهم) أصنافهم وأشكالهم.   أهم الشمال مكذبين – شيوعين – ملحدين – كفره – فجرة.

(2)قال الله تعالى في الحديث القدسي:     (أعددت النار لمن عصاني ولو شريفاً قريشاً ، والجنة لمن أطاعنى ولو عبداً حبشياً).

(3)يروى لنا البيهقي – رحمه الله – عن أبي رُمل الجُهني – رضي الله عنه – قال:  كان من عادة الرسول – صلى الله عليه وسلم – بعد أن يصلي الصبح قبل أن يلتف إلينا يقول:  (سبحان الله وبحمده ، استغفر الله ، إن الله كان تواباً 70 مرة ثم يقول سبعون مرة بسبعُ مائة حسنة لا يخير في ما عنده سبعُ مائة ذنب).

          (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10).

تعريف السابقين:  (إذا أُعطوا أقبلوا ، وإذا سُئلوا بذلوا ، ويحكمون على الناس كما يحكمون على أنفسهم).

          هؤلاء باعوا أنفسهم في سبيل الله ، هؤلاء وقتهم ومالهم وأهلهم وخبراتهم وعلمهم وعدوهم ورواحهم سفرهم وإقامتهم كلها في سبيل الله. (إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي).

          أولهم رواحاً إلى المسجد ، وأولهم خروجاً في سبيل الله ، وهم المبادرون إلى فعل الخيرات كما أمروا.

          يوصف الله عز وجل حال السابقين هؤلاء المتفوقون هؤلاء قمم المجتمع عند الله لا عند الناس.

          مقربون من خالق الكون – فإذا كنت مقرباً من الله فأنت أسعد الناس ، فأكبر عطاء وأكبر فوز وأكبر نجاح أنهم مقربون من الله.

          الإنسان أحيانا يتقرب من شخص قوي يزهو بهذا القرب يُظهر للناس قربه منه ، يذكر تفاصيل لقاءاته ، تفاصيل ندواته ، تفاصيل زياراته ، يزهو ويقول:  أنا قريب من فلان وأنا صديق حميم لفلان ، أنا أدخل عليه بلا إستئذان ، أسهر عنده ، أسافر معه ….

كيف تتقرب إلى الله؟

          التقرب لا يكون إلا بطاعته ، رب العزة خالق الكون من بيده ملكوت المسوات والأرض ، وهو الخالق العظيم.

          إذا كان مجرة تبعد عنا 300 ألف بليون سنة ضوئية ، ومع هذه العظمة هو قريب منك مصداقاً لقوله تعالى في سورة البقرة الآية (186):

          (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ).        

          دخل على النبى – صلى الله عليه وسلم – رجل أشعث أغبر فقال:  أهلاً بمن خبرني جبريل بقدومه ، قال الرجل:  أو مثلي.  قال النبى:  نعم يا أخي أنت خامل في الأرض علمُ في السماء.

          كلنا جميعاً طرق القرب من الله بأيدينا ، غني ، فقير ، خطير ، مغمور – قوي ، ضعيف ، صحيح ، مريض ، ذكي ، أقل ذكاء في أي حالة كنت باب القرب من الله بين يدك.

          (أطعه يتجلى على قلبك ، أطعه يقربك).

          إذا كان الله معك فمن عليك ، وإذا كان الله عليك فمن معك ، ليس معك أحد.

قصة أعجبتني:

          إن إنساناً من صعيد مصر ، جاهل أُمي لا يقرأ ولا يكتب تاقت نفسه أن يكون عالماً عمره (55) خمسة وخمسون عاماً وقد كان فقيراً فقراً مدقعاً ، ركب دابته واتجه إلى القاهرة ليطلب العلم في الأزهر فلما وصل إلى أطراف المدينة ، سأل أين الأزعر ، لا يعرف اسم هذا الجامع فدلوه عليه وبدأ يتعلم القراءة والكتابة ، ثم بدأ يقرأ القرآن ومازال يطلب العلم حتى صار شيخ الأزهر ، مات في السادسة والتسعين وإسمه زكريا الأنصاري ، باب القرب مفتوح ومبذول.

          إفتح كتاب الله ، اقرأ كتاب الله ، تعلم أحكام الشرع ، غُض البصر عن محارم الله ، أنفق من مالك الله هو الغني.

          (القرب من الله بين يديك)

          (أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12).

          أثمن عطاء أن تكون مع الله ، في جواره ، وفي ظل عرشه ودار كرامته ومع هذا هم في جنات الخلد يتنعمون فيها.

          (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ (14).

جمهور العلماء قال:

          (إن الثلة هم أصحاب النبى – صلى الله عليه وسلم – الذين ءامنوا به والقلة هم المؤمنون الذين آتوا في آخر الزمان).

          فالنبي – صلى الله عليه وسلم – عاش معه أصحاب كثيرون ، كل واحد كجبل – كل واحد كألف ، شئ يدعو للإستغراب ، عشرة آلاف صحابي يفتحون العالم كله ونحن مليار وثمانمائة مليون مسلم مقهورون ، مغلوبون على أمرنا ليست كلمتنا هي العليا.

          أصحاب النبى – صلى الله عليه وسلم – كانوا أبطالاً ، كانوا رهباناً في الليل فرساناً في النهار ، يخشون الله ولا يخشون أحداً مع الله ، يؤثرون على أنفسهم ولو كانت بهم خضاضة.

مثال1:

          سيدنا عثمان بن عفان جآءت قوافل تجارية ستمائة (ستمئة) جمل محمل بأنفس أنواع البضاعة ، تساوي الآن ستمئة شاحنة ، جآء التجار ليشتروا منه دفعوا الضعف والضعفين وكـــــان

يقول لهم:  دُفع لي أكثر ، إن الله عز وجل وعدني بكل حسنة بعشر أمثالها … هي للمسلمين.

ثواب المقربين من الله عز وجل:

          (عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16).

          المقربين جالسين على أسرة منسوجة بقضبان الذهب ومرصعة بالدر والياقوت.  وهم مضطجعين على تلك الأسرة وجوه بعضهم إلى بعض ، ليس أحد وراء أحد وفي ذلك راحة نفسية.

          لا يوجد هموم وكل من في الجنة بأعلى مستوى والإنسان يسعد بأصحابه ، فأهل الجنة طيبون طاهرون ، كلهم قمم.

          (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17).        (وليس ولاد الدنيا)

          يدور عليهم للخدمة أطفال مخلدون على صفة واحدة لا يكبرون ولا يشيبون ولا يتغيرون لأن الزمن فيها ملغي …….

الولدان:   هم الخدم الذى ينشئهم الله كن فيكون ، ولدان الجنة لا يعمل فيهم الكبر والسن.

          (بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19).

يصدعون:  لا يحصل لهم صداع                 ينزفون:  لا يذهب عقله بالسُكر

كأس من خمرة – كلمة كأس تستعمل في الخمر ، وكأس من خمر لذة جارية من العيون الصافية (معين:  الصافي).

قال ابن عباس:

          لم تعصر كخمر الدنيا بل هي من عيون سارحة ، وهي ليست كخمر الدنيا التى تستخرج بعصر وتكلف ومعالجة.

          قال:  في الخمر أربع خصال:  السُكر والصداع والقئ والبول.

          وقد ذكرك الله تعالى خمرة الجنة ونزهها عن هذه الخصال الذميمة ، ولا يحصل من شرابها صداع ولا تذهب عقولهم كما تفعل خمر الدنيا في الشاربين.

          (وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24).

          ولهم فيها فاكهة كثيرة ، وهنا استنبط العلماء:  الرسول الكريم كان خلقُه القرآن ، الرسول جآءته فاكهة وصحابي جالس معه كان يأكل من أمامه ، قال النبى له:  (هذا ليس نوعاً واحداً فكل مما اشتهيت ألم تقرأ قول الله تعالى: (وفاكهة مما يتخيرون) ونفس الصحابي كان أمامه ثريد فكانت يده تتجول في القصعة ، فقال له الرسول:  كل مما يليك لأنه نوع واحد ، يختارون ما تشتهيه نفوسهم من الفاكهة لكثرتها وتنوعها).

قال الفخر الرازي في تفسيره:

          وقدم الفاكهة على اللحم لأن أهل الحنة يأكلون لا عن جوع بل للتفكه ، فميلهم إلى الفاكهة أكثر كحال الشبعان في الدنيا.  أهل الجنة لا يجوعوا ، لو أكل ليل نهار لا يوجد تخمة ، ولو لم يأكل أبداً لا يجوع (لا يمسهم فيها نصب) وهذا هو الفرق بين طعام الدنيا وطعام الآخرة.

          (وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ).

          قال النبى – صلى الله عليه وسلم:  (إنك لتنظر إلى الطير في الجنة فتشتهيه فيخر بين يديك مشوياً) عن عبدالله بن مسعود رواه ابن أبي حاتم.

الحديث الثاني:

          وذكر لنا أن أبابكر قال:  يارسول الله!  إني لأرى طيرها ناعماً كأهلها ناعمون ، قال النبى:  (ومن يأكلها والله يا أبابكر أنعم منها وإنها لأمثال البخت وإني لأحتسب على الله أن تأكل منها يا أبابكر).

          ولهم أيضاً في الجنة:  (وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23)

حور عين:  المقربون لهم مع ذلك النعيم نساء من الحور العين الواسعات العيون – شديد بياض العين وشده سوادها ، وهو مقياس جمالي عند العرب ، وهم في غاية الجمال والبهاء.

الحور العين في الجنة نوعين:

(1)نوع ينشأ إنشاء كن فيكون.

(2)ونوع من مؤمنات أهل الدنيا يعاد خلقهن على أكمل صورة.

مثال1:   قد تقول المرأة غير الجميلة ، لماذا خلقني الله هكذا؟

أنت لو عرفت الله وأطعته تكوني بالجنة بأعلى مستوى بالمقاييس المؤمنة (1)التى عرفت ربها (2)واستقامت على أمره (3)تدرك أن الدنيا مؤقتة ، وأما الآخرة أبدية إلى أبد الآبدين.

          إذا نسآء الدنيا دخلت الجنة تستقبلهم جميع نسآء الحور العين يقمن حفل استقبال وتكريم ويستقبلهن استقبالاً مكرماً لما سألت أم سلمة رسول الله نسآء الدنيا أفضل أم الحور العين؟  قال: (بل نساء الدنيا أفضل من الحور العين كفضل الظهارة على البطالة ، قلت:  يارسول الله وبم ذاك؟ قال: (بصلاتهن وصيامهن وعبادتهن الله عز وجل).

          كأنهن اللؤلؤ في الصفاء والنقاء الذى لم تمسه الأيدى.

وجعلنا لهم ذلك كله جزاءً لعملهم الصالح في الدنيا مثل ماذا؟

(1)المجئ للمساجد ، (2)وإنفاق المال للفقراء والمساكين ، (3)أن تمشي مع أخ في حاجته ، (4)أن تعين ضعيفاً ، (5) أن تطعم فقيراً ، (6) أن تربي يتيماً ، (7) أن ترعى مسكيناً ، (8) أن تأمر بالمعروف وأن تنهي عن المنكر  ، (9) أن تقيم الحق ، (10) أن تقرأ القرآن ، (11) أن تذكر الله.

          (لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25).

          العيش في الجنة راقي جداً ، حتى الكلام الفارغ غير موجود ، ولا كلام محرم ، لا يوجد غيبة ولا نميمة ولا سخرية ولا تطاول – المزاح المنحرف الجنس الذى يخدش الحياء ، لا يذكرهم الله بأثامهم في الدنيا ولا بذنوبهم ولا يعاتبهم بعد أن أدخلهم الجنة.

          لا يسمعون فيها إلا أجمل الكلمات وأحلى العبارات وأعف الألفاظ.

          (إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا (26).

          بمعنى أنهم يفشون السلام فيسلمون سلاماً بعد سلام حياتهم سلم في سلم ، نعيم في نعيم طُمئنينة في طمئنينة.

          وقال ابن عباس:  (يحيى بعضهم بعضاً ، وقيل:  تُحييهم الملائكة أو يحييهم ربهم عز وجل).

 

(والحمدلله رب العالمين)

اترك تعليقاً