حكمة تعدد زوجات الرسول – صلى الله عليه وسلم

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد،،،،،

          فإن الحكمة من تعدد زوجات الرسول كثيرة وتنقسم إلى أربع:

أولاً:   الحكمة التعليمية.

ثانياً:   الحكمة التشريعية.

ثالثاً:   الحكمة الإجتماعية.

رابعاً:  الحكمة السياسية.

 

أولاً:  الحكمة التعليمية:

          لقد كانت الغاية الأساسية من تعدد زوجات الرسول – صلى الله عليه وسلم – هي تخريج معلمات للنسآء ، يعلمنهن الأحكام الشرعية ، فالنسآء كما تعلمون نصف المجتمع ، وقد فُرض عليهن من التكاليف ما فُرض على الرجال.

          وقد كان الكثيرات منهن يستحيين من سؤال النبى – صلى الله عليه وسلم – عن بعض الأمور الشرعية كأحكام الحيض ، والنفاس والجنابة والأمور الزوجية ، وقد كان المرأة تُغالب حياءها حينما تريد أن تسأل الرسول الكريم عن بعض هذه المسائل.

مثال1:

          تروي السيدة عائشة – رضي الله عنها:  أن امرأة من الأنصار سألت النبي – صلى الله عليه وسلم – عن غسلها من المحيض ، فعلمها صلى الله عليه وسلم كيف تغتسل ، ثم قال لها:  خذي قطعة من القطن بها أثر الطيب فتطهري بها ، قالت:  كيف أتطهر بها؟ ، قال: تطهري بها ، قالت:  كيف يارسول الله أتطهر بها؟.  فقال لها:  سبحان الله تطهري بها.  قالت السيدة عائشة:  فأجذبها من يدها ، وقلت:  ضعيها في مكان كذا وكذا ، وتتبعي بها أثر الدم ، وصرحت لها بالمكان الذى تضعها فيه.

          فكان صلوات الله عليه يستحيي من مثل هذا التصريح.

مثال2:

          حديث أم سلمة المروي في الصحيحين (البخاري ومسلم) وفيه تقول:  جآءت أم سُليم (زوج أبي طلحة) إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقالت له:  يارسول الله إن الله لا يستحي من الحق ، هل على المرأة من غُسل إذا هي احتلمت؟.  فقال لها النبى – صلى الله عليه وسلم:  (نعم إذا رأت الماء).  فقالت أم سلمة:  لقد فضحت النسآء ويحك أو تحتلم المرأة؟  فأجابها النبى الكريم بقوله:  (إذاً فبم يشبهها الولد؟).

بمعنى:  أن الجنين يتولد من ماء الرجل وماء المرأة ، ولهذا يأتي له شبه بأمه مصداقاً لقوله تعالي في سورة الإنسان الآية (2):

(إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا).

قال ابن كثير – رحمه الله – (أمشاج:  أخلاط.  والمشج والمشيج الشئ المختلط بعضه في بعض).  قال ابن عباس:  (يعني ماء الرجل ، وماء المرأة إذا اجتمعا وأختلطا ..).

          لاشك أن لزوجاته الطاهرات رضوان الله عليهن أكبر الفضل في نقل جميع أحواله وأطواره ، وأفعاله المنزلة عليه أفضل الصلاة والسلام.

          ولقد أصبح من هؤلاء الزوجات معلمات ومحدثات نقلن هدي الرسول الكريم.  واشتهرن بقوة الحفظ والنبوغ والذكاء.

ثانياً:  الحكمة التشريعية:

          هذه الحكمة من أجل إبطال بعض العادات الجاهلية المستنكرة ، ونضرب لذلك مثلاً

(بدعة التبني) التى كان يفعلها العرب قبل الإسلام ، فقد كانت ديناً متوارثاً عندهم ، يتبني أحدهم ولداً ليس من صلبه ويجعله في حكم الولد الصلبى ، ويتخذه ابناً حقيقياً له حكم الأبناء من النسب.

          وكان قبل البعثة النبوية قد تبني زيد ابن حارثة على عادة العرب قبل الإسلام ، وأصبح الناس يدعونه بعد ذلك اليوم (زيد بن محمد).

          روي البخاري ومسلم:

          عن عبدالله بن عمر – رضي الله عنهما – أنه قال:  إن زيد بن حارثة مولى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد ، حتى نزل القرآن فى سورة الأحزاب الآية (5):

          (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ).

          فقال النبى – صلى الله عليه وسلم:  أنت زيد بن حارثة بن شراحبيل ، وقد زوجه الرسول الكريم بإبنة عمته (زينب بنت جحش الأسدية) ، وقد عاشت معه مدة من الزمن ، ولكنها لم تطل فقد ساءت العلاقات بينهما ، فكانت تغلظ له القول ، وترى أنها أشرف منه ، لأنه كان عبداً مملوكاً قبل أن يتبناه الرسول ، وهي ذات حسب ونسب.

ولحكمة:  يريدها الله تعالى طلق زيد زينب ، فأمر الله رسوله أن يتزوجها ليبطل (بدعة التبني) ويقيم أسس الإسلام ، ولكن رسول الله كان يخشى من ألسنة المنافقين والفجار ، ويقولوا:  تزوج محمد امرأة ابنه ، فكان يتباطأ حتى نزل العقاب الشديد لرسول الله – مصداقاً لقوله تعالى في سورة الأحزاب الآية (37):

(وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا).

          وقد كان هذا الزواج بأمر من الله تعالى ، ولم يكن بدافع الهوى والشهوة كما يقول بعض الأفاكين من أعداء الله.

          وقد تولى الله عز وجل تزويج نبيه الكريم بزينب ، امرأة ولده من التبني ولهذا كانت تفخر على نساء النبي بهذا الزواج الذى قضى به رب العزة من فوق سبع سماوات.  كما روى البخاري.

ثالثاً:  الحكمة الإجتماعية:

          الحكمة الإجتماعية وهذه تظهر بوضوح في تزوج النبى – صلى الله عليه وسلم – بإبنة الصديق الأكبر (أبي بكر) – رضي الله عنه وزيره الأول ، ثم بإبنة وزيره الثاني الفاروق (عمر) – رضي الله عنه – وأرضاه ، (2) اتصال الرسول – صلى الله عليه وسلم بهم اتصال مصاهرة ونسب وتزوجه العديد منهن مما ربط بين هذه البطون والقبائل برباط وثيق.

          لقد تزوج النبى صلوات الله عليه بالسيدة (عائشة) بنت أحب الناس إليه وأعظمهم قدراً لديه حتى قال الرسول عليه الصلاة والسلام كما في الترمذي – مُشيداً بفضل أبي بكر:

          (ما لأحد عندنا يد وقد كافيناه بها ، ما خلا أبابكر ، فإن له عندنا يداً يكافيه الله تعالى بها يوم القيامة ، وما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر.  وماعرضت الإسلام على أحد إلا كانت له كبوة (أي تردد وتلكؤ) إلا أبابكر فإنه لم يتلعثم ، ولو كنتُ متخذاً لأتخذت أبابكر خليلاً ، ألا وإن صاحبكم خليل الله تعالى).                               (رواه الترمذي)

ثانياً:  كما تزوج صلوات الله عليه بالسيدة (حفصة بنت عمر) فكان ذلك قرة عين لأبيها عمر على إسلامه ، وصدقه ، وإخلاصه وتفانيه في سبيل هذا الدين.

          فكان زواجه بابنتيهما أعظم شرف لهما ، بل أعظم مكافأة ومنة.

المثال الثالث:  كما يقابل ذلك إكرامه لعثمان وعلى – رضي الله عنهما – بتزويجهما ببناته وهؤلاء الأربع هم أعظم أصحابه ، وخلفاؤه من بعده في نشر ملته ، وإقامة دعوته ، فمــــا أجلها من حكمة

رابعاً:  الحكمة السياسية:

          لقد تزوج النبى – صلى الله عليه وسلم – ببعض النسوة من أجل تأليف القلوب عليه فمن المعلوم أن الإنسان إذا تزوج من قبيلة ، أو عشيرة ، يصبح بينه وبينهم قرابة ومصاهرة وذلك بطبيعته يدعوهم إلى نصرته وحمايته.

أولاً:  تزوج صلوات الله عليه بالسيدة (جويرية بنت الحارث) سيد بني المصطلق وكانت قد أُسرت مع قومها وعشيرتها ، فجآءت إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – تستعينه بشئ من المال فعرض عليها الرسول الكريم أن يدفع عنها الفداء وأن يتزوج بها فقبلت ذلك فتزوجها ، فقال المسلمون:  أصهار رسول الله – صلى الله عليه وسلم – تحت أيدينا؟  فأعتقوا جميع الأسرى الذين كانوا تحت أيديهم ، فلما رأى بنو المصطلق هذا النبل والسمو وهذه الشهامة والمروءة أسلموا جميعاً ، ودخلوا في دين الله ، وأصبحوا من المؤمنين.

          فأعتقوا ما كان في أيديهم من سبى بني المصطلق ، فبلغ عتقهم مائة بيت ، بتزوجه عليه الصلاة والسلام بنت سيد قومه.

ثانياً:  وكذلك تزوجه – صلى الله عليه وسلم – بالسيدة (صفية بنت حُيى بن أخطب) التى أسرت بعد قتل زوجها في (غزوة خيبر) ووقعت في سهم بعض المسلمين فقال أهل الرأى والمشورة:  هذه سيدة بني قريظة ، لا تصلح إلا لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – فعرضوا الأمر على الرسول الكريم ، فدعاها وخيرها بين أمرين:

أ‌-      إما أن يعتقها ويتزوجها عليه السلام فتكون زوجة له.

ب‌-  وأما أن يُطلق سراحها فتلحق بأهلها.

فأختارت أن يعتقها وتكون زوجة له ، وذلك لما رأته من جلالة قدره ، وحسن معاملته ، وقد أسلمت وأسلم بإسلامها عدد من الناس ، روى أن (صفية) – رضي الله عنها – لما دخلت على النبى – صلى الله عليه وسلم – قال لها:  (لم يزل أبوك من أشد اليهود لي عداوة حتى قتله الله) فقالت يارسول الله:  إن الله يقول في كتابه:

(وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى).  سورة الأنعام الآية (164).

ثالثاً:  وكذلك تزوجه عليه الصلاة والسلام بالسيدة أم حبيبة (رملة بنت أبي سفيان) الذى كان في ذلك الحين حامل لواء الشرك ، وألد الأعداء لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – وقد أسلمت ابنته في مكة ، ثم هاجرت مع زوجها إلى الحبشة فراراً بدينها ، وهناك مات زوجها فبقيت وحيدة لامعين لها ولا أنيس ، فلما علم الرسول الكريم بأمرها أرسل إلى (النجاشي) ملك الحبشة ليزوجه أياها – ولما عادت إلى المدينة المنورة تزوجها النبى – المصطفى عليه الصلاة والسلام.

          ومن هنا تظهر لنا الحكمة الجليلة في تزوجه عليه السلام بإبنة أبي سفيان فقد كان هذا الزواج سبباً لتخفيف الأذى عنه وعن أصحابه المسلمين.

          كما أنه – صلى الله عليه وسلم – أختارها لنفسه تكريماً لها على إيمانها لأنها خرجت من ديارها فارة بدينها ، فما أكرمها من سياسة.

 

((  والحمدلله رب العالمين ))

 

This Post Has 2 Comments

  1. نواب

    مشكور استفدت كثيرا جزاچ الله خیرا
    الدكتورة راوية هل تسمحین لي ان اترجم و انشر بعض مقالاتچ لاصدقايي في الايران؟؟؟؟

    1. د. راويه رجب

      ليس عندي مانع،، تفضل

اترك رداً على نواب إلغاء الرد