كيف رتب النبى – صلى الله عليه وسلم – للهجرة؟

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد،،،

          فماذا فعلت قريش بعد أن رجع النبى الكريم من الطائف؟

          قالوا:  نخلص منه؟  ولكن كيف إذا قتلته قبيلة معينة بنى هاشم سوف تأخذ بالثأر منها وتبقى فتنة ، أحسن طريقة:  نأتى بعشر شباب من كل عائلة شب قوى – فتى يضربوه ضربة رجل واحد ، فيتفرق دمه بين القبائل لا تستطيع عائلته أن تأخذ بالثأر له ، لا تستطيع أن تحارب العرب كلهم (فكرة شيطانية) ، (2) وكانت هناك آراء أخرى نحبسه فلا يتصل بأحد ، (3) نطرده من مكة.

          كما أخبر الله تعالى فى سورة الأنفال الآية (30):

(وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ).

          ليثبتوك:  ليحبسوك ويقيدوك كالأسرى

          يخرجوك:  يطرده من مكة  –  وهذا إخبار بما اجتمع عليه المشركون من المكر بالنبى – صلى الله عليه وسلم – فى دار الندوة.

(1)فجتمع رأيهم على قتله فبيتوه ، ورصدوه على باب منزله طول ليلتهم ليقتلوه.

          لابد أن تعلموا أولاً أن هجرة الرسل إلى أماكن غير أماكن ولادتهم هى سنة الله فى كل رسول (إبراهيم – موسى – عيسى – لوط).

          والهجرة لم تكن مفاجأة للنبى – صلى الله عليه وسلم – الرسول من أول لحظة بعثه الله نبياً كريماً أعلمه أنه لم يستمر فى مكة وأنه سوف يأتى يوم يترك فيه هذه البلدة.

          ربنا بين له الطريق من أول لحظة حتى يكون على علم ليستعد له.

(2)ثم ذهب الرسول الكريم مع زوجته خديجة إلى ورقة بن نوفل.  وقال له ورقة:  (هذا هو الناموس الذى كان ينزل على الرُسُل من قبلك ، يا ليتنى كُنتُ جذعاً ، يا ليتنى كنتُ معك إذ يخرجك قومك). قال النبى:  لماذا؟  قال:  ما جآء أحد بمثل ما جئت به إلا عُدى ،أنت سوف تغير عادات وتغير تقاليد ومواريث وعقائد.  (ولكن إذا أنا أدركت يومك لأنصرنك نصراً مؤزراً).

          مات ورقة مسلماً كريماً – فالرسول عنده شبه عقيدة بأنه سوف يترك مكة ..  لماذا صبر الرسول فى مكة 13 سنة على هذا الغُلب والعنت؟  قال:  ربى لم يقل لى اتخلى عن الدعوة ، وهذه محاولات منى وعلي أن أسعى وليس علي إدراك النجاح.

          …  هذه محاولات لكي لايفشل واحد من أُمته من أول ضربة

          يأتى يفتح محل – لم يربح فيقول:  نقفل المحل – ويذهب إلى مكان آخر.

          فالرسول يريد أن يعلمنا الصبر والمصابرة 13 سنة – والذين أسلموا 132 شخص فى تلك المدة حوالى واحد كل شهر تقريباً مع الدعوة الدائبة المستمرة بالليل والنهار.

          وكان فيه أوامر من الله – وكان سيدنا أبوبكر كلما يقول له ما الذى صبرك على هذا؟  يقول له:  لقد عاتب الله على نبى قبلى ، وهو أخى يونس – طلع بدون ما يأخذ إذن من الله وزهق من قومه فبتلعه الحوت وهو مُليم (اللوم كله عليه).

          وربنا حذرنى:  (فاصبر لحكم ربك ولا تكن لصاحب الحوت).

          هى ليست فوضة – الذى نبأك هو الذى يوجهك.

          لما جآءت المؤامرة كان الرسول قد عمل ترتيبه ، ولم يبق أحد من 132 مسلم إلا أبوبكر وسيدنا علي وبنات الرسول.  أما باقى المؤمنين فقد هاجروا البعض إلى الحبشة وهم هناك محميين بالنجاشى الرجل الذى ءامن بالله وفهم حقيقة الإسلام.  والبعض الآخر ذهب إلى المدينة وهذا شأن القائد الماهر المخلص الوفى الذى لا ينفد بجلده ويترك أتباعه ينحرقوا –( كيف مهد الله لهم الذهاب إلى المدينة؟)

          وكما قلنا فى موسم الحج كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يلف طول الليل على القبائل ويقول لهم:  (أنا رسول الله إليكم ، أحمونى كي أُبلغ رسالة ربى).

          فواحد من الأوس (أهل المدينة) قال:  ياجماعة ممكن يكون هذا هو النبى الذى يهددونا به اليهود.  ويقولون أن هناك نبى سوف يظهر قريباً ونقاتلكم معه قتل عاد.

          فقالوا: اسمع يامحمد اليهود يهددونا بك هل أنت النبى المنتظر؟  قال: أنا النبى المنتظر.  وقد سألوه عن أشياء فأجابهم.  فقالوا:  نحن ننضم إليه قبل اليهود وهذا من جهة العصبة فأسلم على يده فى هذه السنة 6 أشخاص – وقال لهم اكتموا عنى.

          وفى الحج من السنة الثانية أسلم على يده 12 وفى السنة الثالثة أسلم على يده 72 رجل وامرأتين.

بيعة العقبة الكبرى:

قال واحد من الأنصار:  وجآءنا النبى ومعه العباس بن عبدالمطلب وهو يومئذ على دين قومه وكان العباس أول متكلم قال:  يامعشر الخزرج إن محمداً فى عز من قومه وفى شرف من أسرته – هو محمدُ بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم – قالوا: نحن نعلم ذلك..  قال: فإن كنتم تدافعوا عنه كما تدافعوا عن حريمكم وعن أولادكم يذهب (إليكم) وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج إليكم ،فمن الآن فدعوه فإنه فى عزة ومنعة من قومه وبلده.

          قالوا:  قد سمعنا ما قلت ، دع نبينا يشترط ما شآء لنفسه وما شآء لربه؟  وفعلاً الرسول قال:  (اشترط لربى أن تعبدُهُ ولا تشركوا به شيئاً ، وإن تسمعوا وتُطيعوا فى المنشط والمكسل (المكره) والعسر واليسر – وأما اشتراطى لى أن تدافعوا عن كما تدافعون عن نسآءكم وأبنآءكم) قالوا:  فما لنا إن فعلنا؟

          قال: الجنة.  فأخذ البراء بن معرور بيده وقال: بيعناك على ذلك فقال أبو الهيثم بن التيهان:  إذا فعلنا ذلك ثم أظهرك الله ، أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ فتبسم رسول الله – صلى الله عليه وسلم ثم قال: (المحيا محياكم والممات مماتكم).

          طول ما أنا حى معكم ، حتى فى الموت سوف أدفن فى وسطكم ، وكان هذا قبل الهجرة..  الله سبحانه وتعالى عمل ترتيبه:

(1)الوفاء لشرط الأنصار.  (2) يدفن الرسول بعيداً عن مكة لماذا؟

          أنظر أخى الفاضل كيف يفعل الناس مع الحسين والشافعى – السيدة زينب والسلطان أبو العلا – الكفر كله حول الأضرحة.

          فإذا كان محمد قد دفن بجوار الكعبة أو بجوار بيته فى مكة كانت مُصيبة ، الناس بدل ما تقول إحنا ذاهبين للكعبة ولزيارة بيت الله الحرام يقولون نحن ذاهبين للنبى نفسه.( كما قال الإمام عبد اللطيف مشتهري)

          ربنا قال:  يدفن محمدُ فى المدينة من أجل الذى يأتى للحج يأتى لله وحده لا شريك له.  وهذه من حكم الله العالية.

          وقال عز وجل على لسان إبراهيم (واجنبنى وبنيه أن نعبد الأصنام) لا أصنام بشراً أو حجراً أو شجراً.

          (أن طهرا بيتى للطآئفين والعاكفين والركع السجود) الآية (125) (البقرة )، تبقى مكة الحج كله فيها وليس فيها واحد مدفون يلفوا حوليه.

          (وليطوُفوا بالبيت العتيق).

الصديق – رضى الله عنه:

          هو الذى بقى فى مكة ولم يهاجر وكذلك( على )لماذا؟

          أبوبكر بعد أن ضُرب علقة موت وأُغمى عليه وحُمل إلى أمه سلمة بنت صخر – تعب شديد – فلما كثر عليه الأذى استئذان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن يهاجر إلى الحبشة – فلم يمانع رسول الله وأذن له.  ووصل إلى مكان من الأماكن فى طريقه إلى الحبشة فقابله واحد من الكفرة اسمه ابن الدُغنة ولكنه يعرف قيمة الرجال قال له: إلى أين ذاهب ياأبابكر؟  قال أبوبكر: (أتركها لكم من كثرة ظلمكم فينا قال ابن الدغنة:  حتى أنت يا أبابكر قلنا بلال والناس الغلابة – أنت الذى فاتح بيتك للناس أكل وشرب وكرم وتعتق العبيد والله مثلك لا يخرج – عيب أن تطلع من مكة.  قال أبوبكر:  أريد أن أعبد ربى بحرية أنا لا أستطيع أن أقرأ القرآن فى بيتى (عامل له زاوية صغيرة فى بيته) أهل مكة قالوا لى: لا تجهر بالقرآن لأن نسآءهم يفتنون بالقرآن.  وأنت أخى الفاضل كما تعلم أن الكفار حاجبين القرآن عن أولادهم ونسآءهم.

          وكما أخبر الله سبحانه فى كتابه: (لا تسمعوا لهذا القرآن ولغوا فيه) لماذا؟ لأنهم عارفين أن نسآءهم لو سمعوا القرآن على حقيقته من منبعه الصافى سوف يُسلمن.

          فكان الصديق صوته طيب يأتى أمام بيته والليل إذا يسرى ويقرأ القرآن – تأتى نسآء الكفار ويقمن يسمعن القرآن – ويقولون:  (والله إذا كان هذا هو الإسلام فنعم الدين – ولماذا أزواجنا يضربوا هؤلاء الناس).

          المهم ابن الدُغنة قال له:  أرجع معى وأنا أحميك فقال لأهل مكة:  ياجماعة أتركوا أبابكر – ده مكة خُربت – نحن نسير فى الطريق ونرى بالعشر بيوت خاوية من سكانها ، كفاية بقى.  قالوا له:  أبوبكر بيجهر بالقرآن ونخاف أن تسلم نسآءنا.  قال ابن الدُغنة: ياأبابكر من أجل خاطرى سر بالقرآن إذا كان ممكن.

          أبوبكر مكث يومين يقرأ القرآن فى سره ، فقال:  الباطل بيزمر بجانب الكعبة الأصنام وأنا على حق – فجآء فى الليلة الرابعة وجهر بالقرآن – ونسآء الكفار كانوا مشتاقين لسماع القرآن من أبى بكر.  الدنيا انقلبت على أبوبكر ، وذهبوا إلى ابن الدُغنة وقالوا له: إن أبابكر نقض عهدك وذمتك وجهر بالقرآن – فقال لأبى بكر: لا تحملنى ما لا أُطيق.  فرد أبوبكر عليه: أنا لا أريد جوارك أنا فى جوار الله..  قال ابن الدُغنة:  تعالى ورد جوارى علي أمام الناس.

          وبالفعل ذهب أبوبكر وسط الكعبة وقال:  أنا فى جوار الله وليس فى جوار ابن الدُغنة فقاموا عليه وضربوه ضرباً شديداً.

          فذهب إلى النبى – صلى الله عليه وسلم – واستئذن فى الخروج من مكة..  وفى هذه المرة النبى قال له:  لا تذهب – قال أبوبكر:  هل حصل شئ – هل حدث شئ؟ قال النبى – صلى الله عليه وسلم:  (أصبر فلعل الله يجعل لك صاحباً)

          روائح الهجرة المحمدية.  قال أبوبكر:  هل أنت عندك أمل؟  قال النبى – صلى الله عليه وسلم:  (نعم عند أمل وأوشكت).

          أبوطالب مات وكذلك خديجة ، والكفار يرتبون لى شيئاً ، والله لا يتركنى لهم ، فإن الله عصمنى وحفظنى منهم.

          قال أبوبكر:  عندى ناقتين قد أشتريتهما وحبستهما فى الدار وبعلفهما إعداداً لذلك ، وهم يتحملون السفر إلى شهور.  قال النبى – صلى الله عليه وسلم: أعطنى واحدة منهم بالثمن.  قال أبوبكر: كيف بالثمن؟  قال النبى – صلى الله عليه وسلم: الهجرة لابد فيها من الثمن لكى نهاجر إلى الله بأنفسنا وأموالنا.

          وأنتم كما تعلمون أن أبابكر كان يملك 833 رطل من الذهب الصافى فى الجاهلية.  كلها أنفقها فى سبيل الله – يوم موته وجدوا عنده قطعة قطيفة وناقة وعبد ، وقبل ما يموت قال لهم:  أُعطوا هذه الأشياء لعمر يضعها فى بيت مال المسلمين حتى ألقى الله مجرداً …  ده مالى كله لله – قال النبى:  (لابد أن أدفع ثمن الناقة والعلف أيضاً) نحن على علم بما قدمته للإسلام والمسلمين كما أخبر الله عز وجل فى سورة الليل الآية (18 – 21):

(الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى(18)وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى(19)إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى(20)وَلَسَوْفَ يَرْضَى)(21).

الهجـــرة:

          لابد لها من تخطيط وفيها تحايل وأخذ بالأسباب ، ومع هذا كُله العناية الربانية – وهذا الذى نقوله (خذ بالأسباب ثم أطلب العون من رب الأرباب) ولكن أعمل الذى عليك ولا تكسل ولا تكلف السمآء أن تتولى كل حاجة عنك.  مثال (1) وبالمثال يتضح المقال.

التلميذ: عليه أن يجتهد ويذاكر والباقى عليك يارب – اللهم افتح مغاليق العقل.

الفلاح:  يزرع ويضع فى الأرض الحب ويرجوا المحصول من الرب.

المريض:  يذهب إلى الطبيب الأخصائى (وإذا مرضت فهو يشفين) وتترك الباقى على الله…

الجندى:  يقف فى الميدان ويطلب النصر من الله – ولا ينام.

          فالرسول – صلى الله عليه وسلم – فى الهجرة جمع بين الأمرين:

الأمر الأول:  وضع تخطيط غريب – لكى تعرفوا أنه ليس شخص عادى كما يزعم كثير من المسلمين أنه درويش سيبها على الله – ماشى مقطع وماشى حافى وزى ماتجى..  لا هذه عبقرية لم يأتى الزمان بمثلها.  بعد ذلك يُعطيه الرب – لأنه قدوة لأُمته (لقد كان لكم فى رسول الله أُسوة حسنة) أولاً:  أبوبكر يكون له صاحباً فى الهجرة ، (2) (علي)  مدخره لرد الأمانات ، (3) أسماء تأتى بالأكل والشرب ، (4) عبدالله بن أبى بكر يأتى بالأخبار ، (5) أصحابه كلهم خارج مكة ، (6) عامربن مهيرة راعى غنم عند أبى بكر (7)  عبدالله بن أريقط  دليل.

          لم يعد يهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلا نفسه وأبوبكر وعلى ، أما بناته لهم نظام تانى العرب كان من عادتهم لا يعتدوا على النسآء ولا البنات فهو سوف يتركهم مطمئنين – ثم يلحقون به … 

الخُطــــــة:

أولاً:  لم يقل لأحد أنه سوف يهاجر حتى عائشة التى قد عقد عليها قبل هجرته بثلاث سنوات، بعد موت أبوطالب.  ولم يدخل عليها إلا بعد أن هاجر فى السنة الثانية فى شوال زفت إليه..

          ومع هذا وهى زوجته وبنت الصديق لم يقل لها أنه مهاجر إلى المدينة (وهذا احتياط).

          وكما يقول الشاعر:

          كل علم ليس فى القرطاس ضاع       …………       وكل سر جاوز الإثنين شاع

وكما يقول العلماء:

          العاقل يحتاط (من كتم سره ملك أمره) (قلب الحر قبر السر).

          ساعة لما أشترى من أبى بكر الناقة لم يقل له إلى أين هو سوف يتجه فيه احتمالات هل يذهب إلى الحبشة التى فيها الكثرة الغالبة من أصحابه ، (2) أو يذهب إلى المدينة أو يذهب إلى بلد أخرى.

          عندما أذن الله لرسوله فى الهجرة والخروج من مكة ذهب إلى بيت أبى بكر بالهاجرة فى ساعة كان لا يأتى فيها (كان من عادته صلى الله عليه وسلم أن يذهب إلى أبى بكر صباحاً أو مساءً)  لماذا؟ فى ساعة كل الكفار نائمين والدنيا حر جداً ، ولا يوجد فى الشوارع مخلوق أبوبكر فزع.  دخل الرسول وقال:  (أخرج عنى من عندك).  قال أبوبكر: إنما هما ابنتاى.  قال رسول الله: (إن الله أذن لى فى الخروج والهجرة) فقال أبوبكر:  الصحبة يارسول الله؟  قال النبى صلى الله عليه وسلم: الصحبة إن شآء الله.

قالت عائشة:  فوالله ما رأيت أن أحداً يبكى من الفرح حتى رأيت أبابكر يومئذ يبكى!!

وقال أبوبكر:  والله ما فرحت منذ إسلامى بشئ مثل كلمة الصحبة إن شآء الله.

ومن ضمن دروس الهجرة:

          الرسول – قد أرسل إلى عبدالله بن أُريقط وكان كافر – لأن الرسول لو طلع من بيته هو وأبوبكر وهما راكبين الجمال ينكشف أمره – يلحقوهم.  قال النبى لأبى بكر:  إن شآء الله عند الليل عند بئر ذى طوى نتقابل.

أىن بئرذى طوى:  بئر فى مقدمة مكة وكان يُسن للحجاج أن يغتسلوا فيه ، وكان النبى – صلى الله عليه وسلم – يغتسل فيه.

الإتفاق على قتل محمد:  على أن عشر شبان يذهبوا حول بيت رسول الله وعند منتصف الليل يدخلوا عليه ويضربوه ضربة رجل واحد.

لماذا ينتظرون إلى منتصف الليل أو قُبيل الفجر؟  كان عند العرب عادة مادام البيت فيه حريم فمن العار عندهم أن يدخلوا والحريم مستيقظين لما يُردون أن يقتلوا واحد – حتى لا يولولوا..  وهذا عار عندهم.  قالوا:  ننتظر حتى زوجته (سودة بنت زمعة) بعد السيدة خديجة – رضى الله عنها – وبناته يناموا – فالرسول فاهم ذلك.

          أبوجهل جآء راكب الفرس ويشد على الشبان ويقول لهم:  خذوا بالكم يا أولاد المكافأة كبيرة – أوعوا يفلت منكم – محمد هذا سحار كبير.

          الرسول – صلى الله عليه وسلم – سامع تنبيهات أبوجهل – والله سبحانه يقول له أخرج الآن.  فى الحقيقة هذا بلاء ….

          فقد قال الله سبحانه وتعالى:

          (فقد نصره إذ أخرجهُ …….).

          وقت الخروج كان نصر – مكة كلها أنابت عنها عشر شبان فى أيديهم سيوف صلبة تقطع عمود مسلح وحنق وحقد وعداء وغيظ – ليس واحد يقتل وهو خائف لا.  دول ناس متغاظين من محمد يريدون أن يمزقونه شر ممزق. وهو وحده ليس معه إلا الله….

          بعد تحذيرات أبوجهل فتح النبى – صلى الله عليه وسلم – الباب وقال:  (سوف أفلت رغم أنفك وأنفهم) والله متم نوره كيف يفتح الباب؟  ده نبوة.

وفى رواية أخرى تقول:  هنا ربنا بيقول أعمل إل عليك وأنا أعمل الباقى ، أنه قرأ مقدمة سورة يس إلى إن قال:

(وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ) سورة يس الآية (9).

          وأخذ شوية تراب ورماهم به وهذا بنج إلاهى غرفة عمليات – فأنام الجميع حتى أن العلماء يقولون إن إبليس لم ينم إلا فى هذه الليلة – ربنا قال لإبليس نام ، بدل ما يزعق ويصحيهم.

          وخرج الرسول (1) على بركة الله – (2) منطلق فى رعاية الله و(3) عناية الله و (4)حفظ الله و (5) وعصمة الله و (6) وحماية اللهخرج فى كل ثقةالموقف هذا يجعل الإيمان عندنا يزداد فى القلوبلماذا؟  لتضليل المطاردين له.

          ثم ذهب إلى بيت أبى بكر الصديق – فقالت له عائشة أبى ذهب … هنا يبرز موقف .

          (وهو إختيار موقع الغار)

          منطقة استراتيجية خطيرة – عارف الرسول أن الحبشة فى الجهة الغربية بينهما وبين مكة البحر الأحمر فى الخريطة – المدينة فى الجهة البحرية وأصحاب الرسول منقسمين فى الحبشة والمدينة – فجآء فى الناحية الجنوبية المتجهة إلى اليمن وأختار مكان الغار لماذا؟  ولم يختار الناحية الغربية التى تؤدى إلى الحبشة ولا الجهة البحرية التى توصل إلى المدينة والمسافة بين مكة إلى جبل ثور الذى فيه الغار ثلاث ساعات.

          وليس هذا فحسب ولكن يطلع الجبل فيه صخرات إذا إنزلقت رجلك يعوض الله عليك – مشقة غريبة وبالليل – وكذلك أسماء بنت أبى بكر (ذات النطاقين) كيف كانت تصعد هذا الجبل وتوصل لهم الطعام والشراب وهى بنت صغيرة وتنقل لهم ما تقوله الحريم فى مكة.   وعبدالله بن أبى بكر ينقل لهم أخبار الرجال فى مكة ، ثم ينزل إلى مكة ويسئلوه عن أبيه فيقول:  الله أعلم.  عامر بن فُهيرة راعى الغنم عند أبى بكر يأتى فى الصباح لكى يعطيهم اللبن ويمسح آثار اسماء.

          عبدالله بن أُريقط (الكافر) الذى وضع الرسول عنده الجمال.

          … عامر بن فُهيره راعى الغنم – عبدالله بن أُريقط الكافر راعى جمال والإثنين لا يمشوا مع بعض ليس هناك شبه – (لا يشك فيهم أحد) طول النهارالرعاة فى الجبل ..  فيه ترتيبات – لما يمشوا يُضيعوا آثار الأقدام عند الغار وهى عملية تمويه ..  ثلاث أيام بلياليهم.

          كانوا يخرجوا من الغار ويجلسوا فى الجبل يقرءوا القرآن ويذبحوا خروف ويشربوا اللبن – ولما يرى أى خيال يدخلوا الغار مرة ثانية.

عبدالله بن أُريقط  كافر كيف يختاره الرسول؟؟

          هو كافر بالله ولكنه ليس كافر بالشرف والمروءة – وقد أرصد كفار مكة 100 ناقة للذى يأتى بمحمد حي أو ميت و 100 ناقة أُخرى لمن يأتى بأبى بكر حى أو ميت – 200 ناقة الرسول واثق فى هذا الرجل قال له:  ياعبدالله 200 ناقة وتصبح أغنى رجل فى العرب.  قال عبدالله بن أُريقط:  (يارسول الله لولا أنى خائف من عائلتى لكنت أسلمت – أنت عندى أعز من مكة ومن فيها).

          والعلماء استدلوا من هذا يجوز للمسلم أن يستعين بمن هو على غير الملة إذا كان محل ثقة ، وليكن له دينه ولك دينك فى المعاملات – لأن الرسول ءأتمن عبدالله فى أخطر قضية فى حياته.  ترك عنده الجمال.

          ولكن مع هذه الثقة فى عبدالله بن أُريقط لم يقل له الرسول مكان الغار وهذا من باب الإحتياط.  (الإحتياط واجب).

          وأخبره أن يأتى بالجمال فى مكان معين – يبعد عن الغار نصف ساعة – بحيث يأتى الرجل بالجمال والرسول – صلى الله عليه وسلم – يرقبه إذا جآء معه أحد – يطلع من مكان آخر.  وإذا لم يأتى معه أحد يتركه مدة نصف ساعة أخرى ليتأكد أنه لوحده ثم يأتى إليه  (إحتياط غريب الشكل).

          أبوبكر ذهب إلى بئر طوى فى المكان الذى حدده الرسول له – أبوبكر يمشى سريعاً ظنياً منه أن الذى وراءه رجل يريد أن يمسك به ولكن كان الذى وراءه النبى – صلى الله عليه وسلم – أبوبكر يمشى سريعاً والرسول أيضاً – أبوبكر تعب – وكذلك الرسول – صلى الله عليه وسلم – تعب والنعل انقطع وأصبعه ينزف دماً فخاطب الرسول أصبعه (هل أنت إلا أصبعاً دميتى وفى سبيل الله ما لقيت) فلما تعب قال يا أبابكر انتظر مهلاً.

          فلما نظر أبوبكر للرسول وحده حافى القدم وأصبعه ينزف دماً تخيل أنت كل هذه المتاعب والصعاب ونحن في المساجد جالسين فى مكان به سجاجيد ونور كهربائى – ومياة وراحة – أبوبكر يحمل الرسول لبعض المسافات وينزل يمشى بعض – فلما أتى الكفار الصبح كانوا فى جنان هذا قدم أبوبكر  – وهذا قدم محمد – وبعد بعض المسافات يجدوا قدم محمد قد انقطع – يقولون:  محمد ده جن نزل فى الأرض –أم  طلع السمآء.

          وكان أبوبكر أصغر من الرسول – صلى الله عليه وسلم – بسنتين ونصف ، فلما وصلوا إلى مكان الغار (وصف الغار الذى فى جبل ثور).

          هذا الغار يعتبر قلقه من قلاع الحماية وهو عبارة عن مركب مقلوب وفتحه واحدة من أحد الجهات.

          وعندما هم الرسول بدخول الغار قال له أبوبكر:  انتظر حتى استبرأه – ثعلب أو حشرة فوجد هناك بعض الشقوق فخاف أبوبكر أن يكون فيها بعض الهوام فمزق ثوبه التحتانى ويضع فى هذه الشقوق – وكان الرسول – صلى الله عليه وسلم – قد بلغ به الإعياء فقال أبوبكر:  أُدخل أنت يارسول الله – لربما يأتى أحد ..  أصابع رجل أبوبكر بارزة حوالى خمس سم فقال:  عندك مسافة 5 سم يارسول الله – قال النبى: لا.

          قال أبوبكر:  (لو نظر أحدهم تحت قدميه لأبصرنا) ، قال له النبى: (لا تحزن إن الله معنا) كما جآء فى سورة التوبة الآية (40): (إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا).

          وهناك حديث عن أنس أن أبابكر حدثه قال:

          قلت للنبى – صلى الله عليه وسلم – ونحن فى الغار:  لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه فقال:  (يا أبابكر ما ظنُك بأثنين الله ثالثهما).

          والآية فى سورة التوبة (40):

(إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا).

          الكثرة العددية أنهم اثنين وغلبوا بلدة بحالها كافرة لأن النصر من عند الله.

          (المنطقة الاستراتيجية) ثُقب فى الجبل ينتصر على قلاع الحرب ، ويحمى اثنين وهما أبوبكر والنبى.  ماهى مساعدة الله لنبيه؟؟

          ومن صنع الله لنبيه أن تعمى عنه عيون أعدائه ولم يكن ذلك محاباة وهذه كانت مكافأة القدر.

          من القدر لقوم فرطوا فى استكمال أسباب النجاة – لقوم لم يدعوا وسيلة من وسائل الحذر إلا اتخذوها.

          (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون) سورة يوسف الآية (21).

 

(  والحمدلله رب العالمين )

 

 

اترك تعليقاً