هل الإحتفال بالمولد النبوي الشريف بدعة؟

بسم الله الرحمن الرحيم

 

       الحمدلله رب العالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين.

 

أما بعد،،،

 

          فهناك من يقول إن الإحتفال بالمولد النبوي الشريف بدعة لم تكن على أيام الرسول – صلى الله عليه وسلم – وصحابته.

أولاً:  قالوا إن الإحتفالات يُطلق عليها أعياد وليس في الإسلام إلا عيدان (عيد الفطر ، وعيد الأضحى).

الرد:   على انه بدعة –

          أنه ليس كل جديد بدعة مذمومة – فقد قال عمر بن الخطاب عندما رأي اجتماع الناس على إمام واحد في صلاة التراويح (نعمت البدعة هذه) ولم ينكر عليه أحد من الصحابة.

ثانياً:  إن اسم العيد لم يوجد نص على منع إطلاقه على غيرهما (غير عيد الفطر ، وعيد الأضحى) فقد أطلق النبى – صلى الله عليه وسلم – لقب العيد على يوم الجمعة ، (2) كما نرد على ذلك بأن العبرة ليست بالأسماء بل بالمضمون والمسميات.

          فهل لو سُميت الخمر باسم آخر يحل شربها؟

          إن إطلاق اسم العيد على الاحتفال بأية مناسبة قد يكون من باب التشبيه بالأعياد الدينية في نشر الفرح والسرور بها.

ثالثاً:  ونحن بهذه الإحتفالات نربط قلوب المسلمين بالدين وتاريخه وأمجاده حتى لا تُنسى في غمرة الإحتفالات الدنيوية الأخرى التى تحشد لها الإستعدادات وتنفق الأموال وتعلو الشعارات.

          المهم أن يتم كل ذلك في إطار الحدود المشروعة وعدم التعصب للشكليات فالعبرة بالجوهر …  والأعمال بالنيات.

يقول بعض العلماء الأجلاء:

          وبسبب مولد النبى – صلى الله عليه وسلم – حضرته في أحد المساجد – كانت ثمرته العاجلة:

(1)            أن أعلن كثير من الحاضرين توبتهم عن موبقات (محرمات) كان يرتكبوها.

(2)            وأعلن آخرون بدء إلتزامهم بعبادات كانوا معرضين عنها (مثل الصلاة والصيام).

(3)            وإلتزم آخرون بالعكوف على دراسة القرآن الكريم – ولم يخرجوا من المسجد حتى تعاهدوا وتواثقوا على ذلك.

فبأي ميزان من موازين الشريعة الإسلامية أُعد مثل هذا الاحتفال ضلالة تجب محاربتها لمجرد أن عصر النبى – صلى الله عليه وسلم – لم يشهدها.

ومولد النبى – صلى الله عليه وسلم – أكبر أعياد المسلمين– إذ لولا مولده – صلى الله عليه وسلم – لما كان إسلام ولا صلاة ولا صيام ولا حج ولا شئ البته ، بل لولاه ما خلق الله الخلق – ولم تخرج الدنيا من العدم كما قال الإمام البوصيري.

الله تعالى:  هو أول من فرح واحتفى بالحبيب محمد – صلى الله عليه وسلم – لم يعرف ولن يعرف قدر رسول الله – صلى الله عليه وسلم إلا الله – فهو الذى (1) خلقه ، (2)وجمله ، (3) وكمله ، (4) ورفعه ، (5) وجعله حبيب الكبير المتعال ، فعن سلمان الفارسي – رضي الله عنه – قال:  (هبط جبريل على النبى – صلى الله عليه وسلم – فقال: إن ربك يقول:  (1) إن كنت اتخذتُ إبراهيم خليلاً فقد اتخذتُك حبيباً ، (2) وما خلقت خلقاً أكرم علي منك ، (3) ولقد خلقت الدنيا وأهلها لأعرفهم كرامتك ومنزلتك عندي ، (4)ولولاك ما خلقت الدنيا.                (رواه ابن عساكر)

        الله سبحانه أمرنا بشيئين اثنين لا ثالث لهما:

أولاً:  الشهادة بالتوحيد له – تعالى – مصداقاً لقوله تعالى:

(شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).  سورة آل عمران الآية (18)

الأمر الثاني:  الذى أمرنا الحق به وسبقنا إليه هو الصلاة والسلام على رسوله – صلى الله عليه وسلم – مصداقاً لقوله تعالى في سورة الأحزاب الآية (56):

(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

          ولذلك  فقد نشر الحق براهين حبه لنبيه – صلى الله عليه وسلم – سواء في كتابه المسطور أو فى كونه المنظور ، ففي الذكر الحكيم لم يحظ نبي مرسل ولا ملك مقرب ولا عبد صالح بمثل ما حظى به رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من شارات التوقير والتمجيد وأمارات الحب والمدح والتحميد.

وفي الكون المنظور:  استقبلته الخوارق والإرهاصات وواكبته المكرمات والمعجزات ، إبتهاجاً به – صلى الله عليه وسلم – وفرحاً وسروراً بمقدمه.

          فكان بذلك أول من أحتفل بمولد الحبيب المصطفى – صلى الله عليه وسلم – هو الله عز وجل.

من مظاهر إحتفال الحق بميلاد سيد الخلق – صلى الله عليه وسلم:

(1)            النور الذى نزل معه.

(2)            إهتزاز إيوان كسرى وخمود نار فارس.

(3)            جفاف بحيرة ساوة وفيضان وادي سماوة.

(4)            هواتف الجن وتنكيس الأصنام (أربعة من الخوارق والمعجزات والمكرمات التى صاحبت مولد النبى الكريم – صلى الله عليه وسلم).

أولاً:  النور الذى نزل معه:

(1)            عن العرباض بن سارية – رضى الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم قال: (1) إني عند الله لخاتم النبيين ، (2) وإن آدم لمنجدل في طينته وسأخبركم عن ذلك ، (3) إني دعوة إبراهيم ، (4) وبشارة عيسى ، (5) ورؤيا أُمي التى رأت – وإن أم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – رأت حين وضعته نوراً أضاءت قصور الشام.   (الإمام أحمد والبزار والطبراني).

(2)            وروي محمد بن سعد – أن آمنة بنت وهب – عليها السلام – قالت:   لما فصل أي ولد – (تعني النبى – صلى الله عليه وسلم) خرج معه نور أضاء له ما بين المشرق والمغرب.

(3)            عن عثمان بن أبي العاص عن أمه أم عثمان الثقفية الصحابية ، أنها قالت:  لما حضرت ولادة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – رأيت البيت حين وقع (أي حين نزل من بطن أمه – قد أمتلأ نوراً ورأيت النجوم تدنو حتى ظننت أنها ستقع علي فلما وضعته آمنة خرج منها نور أضاء له البيت والدار حتى جعلتُ لا أرى إلا نوراً).             (رواه البيهقي والطبراني)

ثايناً:  اهتزاز إيوان كسرى وخمود نار فارس: 

(1)            من مظاهر الإحتفال التى لا يقدر عليها إلا الله – تعالى – اهتزاز إيوان كسرى ملك الفرس وخمود نارهم التى كانت تُعبد من دون الله ، فقد أخمدها الله – تعالى – وفي فناها الوقود وسدنتها حولها يشعلونها فأبت أن تتقد في ليلة المولد – وكانت لم تنطفئ قبل ذلك منذ ألف عام.

(2)            واهتز إيوان كسرى وسقطت بعض شرفه (أربع عشرة شرفة) لماذا سقطت بعض شرف القصر لماذا؟  إيذاناً بزوال مُلك الضلال.    (علامة على أنه سوف يزول مُلك كسرى).

ثالثاً :  جفاف بحيرة ساوة وفيضان وادى سماوة:

     ساوة:  هذه مدينة قرب همذان وكانت بها بحيرة.

     وفيضان وادي السماوة:  بادية لبنى كلب عند الكوفة (في العراق) أرض عالية لا حجر فيها – وسميت السماوة لسموها وعلوها – تفجر ماؤها فرحاً بميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

رابعاً:  هواتف الجن وتنكيس الأصنام:

     من مظاهر إحتفال الحق – تعالى – بميلاد نبيه – صلى الله عليه وسلم:

قال ورقة بن نوفل:  (إني قد قربت عند وثن لنا إذا سمعت من جوفه هاتفاً يقول:  وُلد النبيُ فذلت الأملاكُ  …   ونأي الضلالُ وأدبر الأشراكُ ، ثم تنكس الصنم على رأسه)     (انظر السيرة النبوية لابن كثير وغيرهما)

(1)فإطلاق الأنوار ، (2) وكلام الجن من باطن الاحجار ، (3) واهتزاز إيوان كسرى أو خمود النار ، إنما هي من مظاهر الحفاوة من العزيز الغفار لاستقبال ميلاد النبى المختار – صلى الله عليه وسلم –  فبذلك يكون أول من أحتفل بالميلاد النبوي هو الحق جل في علاه.

فرح الخلق بحبيب الحق

صلى الله عليه وسلم

     قد تختلف مظاهر الإحتفال من وقت لآخر – ومن مكان لآخر – ومن بيئة لأخرى – لكن الذى لا يستطيع أن ينكره إلا مكابر ، أن الإحتفال والفرح برسول الله – صلى الله عليه وسلم – لا يتوقف ولا ينقطع ، نذكر طرفاً من فرح الخلق به عند الولادة ولبندأ بجده عبدالمطلب.

1-   فرح جده عبدالمطلب بميلاده – صلى الله عليه وسلم – وحفاوته به:

     لما وضعت آمنة سيدنا محمد – أرسلت إلى جده عبدالمطلب:  أنه قد وُلد لك غلام فأته فانظر إليه ، فأتاه ونظر إليه وحدثته بما رأت حين حملت به وما قيل لها.

(1)فحمله جده عبدالمطلب ، (2) ودخل الكعبة ، (3) وأخذ يدعو الله تعالى ويشكره على ما أعطاه ، ثم خرج إلى أمه وهو يقول:

     قصيدة:  أنت الذى سميت في الفرقان  …   أحمد مكتوب على اللسان

     (سيرة ابن هشام – والسيرة الشامية).

     ويروى أنه لما كان يوم السابع من ولادة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ذبح عنه جده ، ودعا قريشاً ، فلما أكلوا قالوا:  ياعبدالمطلب ما سميتُه؟  قال جده:  (سميتُه محمداً).  قالوا:  لم رغبت به عن أسماء أهل بيته؟؟

قال عبدالمطلب:  أردت أن يحمده الله في السمآء وخلقُه في الأرض. 

(رواه البيهقي في الدلائل).

2-   فرح أبي لهب عمه وعتاقته لجاريته بسبب ذلك:   (ثُويبة)

كانت لعمه أبولهب جارية أعتقها بسبب أنها بشرته بميلاد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فرحة لم يُهمل الحق – تعالى – له جزاءها – بل كوفئ بها – لما ولد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بشرت ثُويبة مولاها أبالهب عم النبى – صلى الله عليه وسلم – بمولده فأعتقها.  فجوزي بذلك خيراً رغم كفره فيما بعد.

     روي البخاري في صحيحه:  فلما مات أبولهب ، أريه بعضُ أهله (بشرحال) قال له:  ماذا لقيت؟  قال أبولهب:  لم ألق بعدكم راحة ولا رخاءً غير أني سُقيت في هذه (أرسلت له السُقيا من بين اصبعيه كل ليلة اثنين).                                  (كما جاء في الصحيح.

3-   إحتفال النبي – صلى الله عليه وسلم – بذكرى مولده بنفسه:

الإحتفال:  هو تغيير العادة بإظهار السعادة

فيكون الإحتفال من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بنفسه بذكرى مولدهمخلفاً عن فرح الخلق وإحتفائهم.

حرصه على أمته بجعله يترك الأمر لأذواقهم ، حتى لا يأخذ هذا الأمر حكم العزيمة، فيأثم من ترك ذلك لغير عذر.

ومع ذلك فقد أظهر الفرحة والإحتفال والشكر – ففي صحيح مسلم في باب الصيام من رواية سيدنا (أبي قتادة الأنصاري – رضي الله عنه) قال:  سُئل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن صوم يوم الأثنين.  فقال:  (ذلك يوم ولدتُ فيه وأُنزل علي فيه).    قال القرطبي – وفيه مات (هذا دليل على فضل هذا اليوم) ، وذلك يدل على أنه كان يحتفل بذكرى يوم مولده كل أسبوع لا كل عام ، ولكن بالكيفية التى تليق بنبوته وتتناسب ورسالت

 

(  الحمدلله رب العالمين  )

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً