ما هو السر الذى جعل عمر يهاجر علناً بشجاعة وقوة ورسول الله- يهاجر سراًً في خفآء .

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد،،،

          فأما بعض العبر التى نأخذها من نهاية حديثنا فى الهجرة حيث وصل ركب الرسول – صلى الله عليه وسلم – الركب المحمدى سالماً ءامناً مٌعافاً تظلُه عناية الله.

          وصل سالماً إلى مشارف المدينة المنورة.

          فإننا نستطيع أن نأخذ بعض العبر من هذه الرحلة المباركة (رحلة الهجرة):

أولاً:  ما هو السر فى أن النبى – صلى الله عليه وسلم – بإلهام من الله أو وحى استبقى من دون الصحابة أبى بكر الصديق – رضوان الله عليه – ليكون وحده فى الغار وفى هذه الرحلة المحفوفة بالأخطار؟؟

          لقد أستنبط العلماء من إنفراد أبى بكر بهذا الإمتياز السخى وأنه هو الوحيد الذى استبقى ليكون الصاحب فى الغار – ونص على هذه الصحبة فى القرآن الكريم حيث يقول الله تعالى فى سورة التوبة الآية (40):

(ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا).

        فما هو السر من وراء انفراد أبى بكر لهذا الإمتياز؟

          كان فى قدرة العزيز الحكيم أن يأمر الرسول – صلى الله عليه وسلم – أن يستعين بعمر – رضى الله عنه – وما أدراك ما عمر – وكان فى إستطاعة الله بعثمان – أو على – ولكن على استبقا للتعمية فكان لهم مهمة أخرى (ورد الأمانات لأهلها).

قال علماؤنا:  إن هذا سر ينكشف من وراءه أن الله تعالى من أول لحظة فى الهجرة أختار أبابكر ورشحه ليكون خليفاً للنبى – صلى الله عليه وسلم – بعد موته..

          لو أنهم تنبهوا لهذه الإشارات وإلى هذه الإمتيازات الصديقية لعلموا أن الله يصطفى من عباده من يشآء من مهمات الأمور.

إشارة أخرى:

          فإن النبى – صلى الله عليه وسلم – وهو القائل أمام الصحابة أجمعين: (لو كنتٌُ متخذاً خليلاً غيرُ ربى لتخذتُ أبابكر ولكن إخٌوُة الإسلام).

          وهذا حديث قاطع ينفرد به بأن أبابكر يمتلك من دون الصحابة بمركز لا يُدانيه فيه إنسان.

بمعنى:  أى الله لو صرح لى أن يتخلل شغاف قلبى إنسان غير الله نفسه ، فأول واحد أولى بهذه الخُلة هو أبوبكر ..  ولكن للأسف لا خليل لى غير ربى ..

          فى الإشارات أن النبى – صلى الله عليه وسلم – عندما مرض مرض الموت قال لبلال وغيره من الصحابة مروا أبابكر أن يصلى بالناس.

          ده أول مرة سينقطع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن الإمامة – ويعز على الناس أن يفقدوا هذا المقام العالى السامى المحمدى – استخلف أبى بكر ليصلى جماعة – هذه إشارة وهي ليست صدفة (مروا أبابكر …)

          الإله الذى استبقى أبابكر ليكون هو (1) الصاحب الوحيد المؤنس فى الغار ، (2)والوحيد الذى لو أباح الله لنبيه إتخاذ خليل لكان الصديق أولى..

          وكان استخلاف أبوبكر على الصلاة فى مرض النبى هى الحجة القاطعة التى استند إليها أبوبكر وغيره من الصحابة عندما استخلف الصديق وبويع ، بعد وفاة الرسول لأن عمر قال: (يا أيها الناسُ لا تختلفوا الخليفة موجود والرسول معينه قبل أن يموت ، وإن كان الرسول لم يعينه بالقول ولكن يكفيه أنه قال: مروا أبابكر فليصلى بالناس ، فإذا كان الرسول إئتمن أبوبكر على دينكم وصلاتكم أفلا تأمنُهُ أنتم على دنياكم).

          كيف تأمنُهُ على دينكم ولا تأمنُهُ على دنياكم؟

          فكانت هذه الكلمات هى الفاصل لحمل الناس جميعاً لكى يقوموا وينهضوا ويضعوا أيديهم فى يد الصديق ويقولون له: (بيعناك على الخلافة يا خليفة رسول الله – صلى الله عليه وسلم).

وفى عبر الهجرة:

          ما هو السر الذى جعل عمر بن الخطاب رضوان الله عليه يهاجر علناً؟  بشجاعة وقوة ورسول الله يهاجر سراً فى خفاء؟.

         هل كان عمر يتمتع بشجاعة لا يتمتع بها رسول الله؟

          كيف عمر (1) يعلن ، (2) يتحدى ، (3) ويذهب إلى الملأ من قريش وهو يحمل سلاحه طوافاً متثباً مُتأنياً بكل شجاعة ، وبعد أن انتهى من طوافه قال:  (يامعشر قريش ها أنا مُهاجر الذى يريد أن ييتم عياله ويثكل أُمه ويرمل أمرأته يأتى ورائى).

          فما تبعه أحد – بل أخذ معه بعض المستضعفين ولم يستطع أحد أن يعترض طريقه.

          أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم هو أشجع الناس لا شك ولا عمر ولا أبوبكر حتى أن علىَ – رضوان الله عليه فارس المشارق والمغارب – النجم الثاقب على ابن أبى طالب بن عم الرسول وزوج فاطمة البتول يقول: (إذا حمى الباسُ واشتدت الحرب اتقينا العدو برسول الله ، وكان الرسول هو أقربنا للعدو) لما يكون الرسول بهذا الحال كيف لم يهاجر علناً كما هاجر عمر؟؟

الجواب:  إن عمر لما هاجر علناً كان مجرد تصرف شخصى منه– رجل عنده إعتزاز بكرامته ، رجل عنده عزة حتى لما كان فى الجاهلية كان عنده شدة ضد المسلمين ، ولما ربنا هدى قلبه الشدة تضاعفت على الكفار: (والنبى – صلى الله عليه وسلم قال: خياركم فى الجاهلية خياركم فى الإسلام إذا فقهُ).

          …  تصرف عمر هذا تصرف شخصى كون أن الكفار خافوا منه فهذا إكرام من الله وليس مبدأ – ممكن كانت قريش لا قدر الله خرجت وراءه عشر شبان مهما كانت قوة عمر ومهما كانت شجاعة عمر فهو فرد كانوا سوف يغلبوه ويقتلوه.

          والمثل يقول:  (الضعيفان يغلبان قوياً).

          تصرف عمر يسمى تصرف شخصى عمله بنوع (1) من حسن النية ، (2) والغيرة على حُرمات الله ، (3) وصعبان عليه أن الكل يهاجر سراً – فهو يريد أن يخزى عين الشيطان وأعوانه …

          الرسول لما جآء يهاجر بشخصيته – بشخصية الرسول ليست ملكه هو ده شخصية الرسول شخصية عامة أرسله الله رحمة للعالمين.

          فهو يسُن فى جميع تحركاته (1) سُنن ، (2) وقواعد ، (3) ومناهج للناس لتمشى عليها.

          الرسول لا يريد أن يشرع للأُمة (1) الإستبياع ، (2) وإلقاء الناس فى التهلكة.  (ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة).

          الرسول عنده ثقة أكبر من عمر 70 ألف مرة (1) الثقة ، (2) والقوة ، (3)والإعتماد على الله ، (4) والإستعانة به التى كانت عند الرسول – صلى الله عليه وسلم – لم تكن موجودة عند أحد – إنما هو يُشرع للأُمة ، والأُمة بعده يقلدوه.

          الرسول يشرع لنا ويقول:  إن المؤمن لابد أن يأخذ بالأسباب.

          (ليأخذوا حذرهم وأسلحتهم).

بدليل:  أنه اختفى فى الغار (إختفائه) وشراء الراحلتين – إتخاذ الدليل للطريق كان هذا أخذ بالأسباب – وليس خوف – ربنا قال له: إحتاط وأترك الباقى علي.

          بالعقل مثلاً قبل أن يخرج إلى الغار ، كان هناك عشر شبان أمام بيته مستيقظون ومأجرون بأن يقتلوه ويضربوه ضربة رجل واحد – ما الذى جعله يخرج إليه وهو واحد وهم عشرة: (الثقة التى هى عنده وليست موجودة عند عمر أو عند غيره – لما ربنا سبحانه وتعالى قال له اطلع: قال: بسم الله :  فى سورة يس الآية (9)ثم قال:

          (وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ).

          رمى فى وجوههم التراب – فأصاب كل واحد منهم بعض التراب – فناموا جميعاً – هذا نوع من الإستبياع أكثر من هجرة عمر كثيراً – ولو كان عمر اثنين منتظرينه أمام بيته يحصل عنده نوع من التردد.

          ولما ذهب إلى الغار وهما فى عز الكرب – أبوبكر كان صوابع قدميه خارجة من الغار لضيقه وكاد الكفار يلمحوها.

          وبينه وبين أبوجهل الذى يتبول لا يوجد 2 سم – وأبوبكر يرتعش ويقول يارسول الله: (لو نظر أحدهم تحت قدمه لأبصرنا).

          إن شجاعة الرسول 100% ولم يفقدها الرسول لا فى سفر ولا فى حضر ولا فى الغار ولا فى غيره.  يقول: (ياأبابكر ما ظنك بأثنين الله ثالثهما).

          (إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا).

          نحن ليسا اثنين نحن ثلاثة – معنا الله – ثقة كاملة مع وجود الشر أمامهم.

لماذا سافر سراً وفى خفاء؟؟

          من أجل الأُمة التى سوف تأتى بعده ، فالرسول لما أراد أن يهاجر أخذ بالأسباب – أختار مكان الغار فى الناحية القبلية غير الجهة التى سوف يفروا إليها – وشراء الراحلتين وإتخاذ الدليل للطريق (كل هذه الأشياء تشريع للأُمة حتى لا يعتمدوا على عناية السمآء وعناية الله المحضة ويجردوا الدنيا من أسبابها.

          والأخذ بالأسباب لأن الله أقام هذه الدنيا على الأسباب المسببات.

 

(  والحمدلله رب العالمين )

 

 

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً