ماذا فعل أهل الطائف مع النبى الكريم؟

بسم الله الرحمن الرحيم

        الحمدلله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وسيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد،،،

          قال له زعماء قريش:  أطرد الفقراء ونحن نأتى ونسمع منك؟  نتفاهم مع بعض وأنت كما تعلم يا محمد أن مكة ناس يأتون إليها لزيارتها وعمل العمرة فيجدوننا مع هؤلاء الفقراء.  إذا طردت الفقراء نستطيع أن نتفاهم معك.

قال عمر بن الخطاب:  اجعل لهم يوم وللفقراء يوم – فالرسول – صلى الله عليه وسلم قال: ياعمر أنتظر – أنا نبى ولما الرب يأذن وإذا بالوحي ينزل على الرسول كما أخبر الله فى سورة الكهف الآية (28 ، 29):

(وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا(28)وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ)(29). 

          وفى سورة الأنعام الآية (52) يقول الله تعالى محذراً الرسول – صلى الله عليه وسلم:

(وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ).

         فكان الأمر من السمآء عنيفاً شديداً ، فكان الرسول يُحن على هؤلاء المساكين ، أنتم الذين أمرنى الله أصبر نفسى معكم.

          وقال لزعماء مكة:  إذا أردتم أن تجلسوا مع هؤلاء المساكين فجلسوا وإلا فلتذهبوا فى ألفين داهية (فمن شآء فليؤمن ومن شآء فليكفر) سورة الكهف الآية (29).

        200 كيلومتر ذهاب ، 200 كيلومتر إياب (400 كيلومتر) سارها محمد – صلى الله عليه وسلم – على قدميه ، (1) وهذ فأخذ النبى – صلى الله عليه وسلم – زيد بن حارثة وذهب يتلمس النجدة من الطائف ، والطائف تبعد عن مكة ا يدل على البطولة الخارقة ، (2) والصبر ، (3) والمصابرة ، (4) والتحدى ، وأنه (5) لا يترك أى حيلة إلا ويعملها.

          ولما علمت قريش أرسلت بسرعة إلى زعماء الطائف وقالوا لهم:  بيننا وبينكم تجارة وإتصالات ونسب وإذا قبلتم منه الدعوة أو حتى أعطيته شربة ماء سوف نقطع العلاقة الاقتصادية وسيكون لنا معكم شآن آخر.

          فلما عرض محمد – صلى الله عليه وسلم – على زعمآء الطائف.  قالوا له:  أنت لم تنفع فى بلدك..  فردوه – جميعاً – رداًُ منكراً وأغلظوا له الجواب ومكث عشرة أيام يتردد على منازلهم دون جدوى.

          وقالوا له:  أخرج من بلدنا ، وأغروا الصبيان والرعاع فوقفوا له صفين يرمونه بالحجارة وزيد بن حارثة يحاول الدفاع عنه حتى شُج فى رأسه.

          وأصيب الرسول عليه الصلاة والسلام فى أقدامه ، فسالت منها الدماء واضطره المطاردون أن يلجأ إلى بستان لعتبة وشيبة ابنى ربيعة حيث جلس فى ظل كرامة يلتمس الراحة والأمن.

          السيد عائشة رضى الله عنها سألت الرسول هل هناك يوم أشد عليك من يوم أُحد؟  يوم غزوة أُحد قُتل فيها 70 من الصحابة ومنهم عمه حمزه قال النبى: (والله الذى كان أشد علي من أُحد يوم الطائف) كلما ازلقته الحجارة يقوموه ويرجموه مرة أُخرى..

          ربنا سبحانه كان قادر على أن يرسل صاعقة تأخذ الطائف وأهلها ولكن الله قال: لابد أن يكون الإعجاز بقدر – لازم هو يتعب لكى يتعب الذين يأتون من بعده – لازم يصبر النبى لكى يصبروا الذين يأتون من بعده ….  لا يتكلوا على الله فى كل كبيرة وصغيرة.  وهم جالسون ، الرسول عليه الصلاة والسلام أُغمى عليه ثم أفاق ثم دعا بهذا الدعاء المأثور.  وهذا دعاء مبارك ويجب على كل مسلمة أن تقوله صباحاً ومساءاً ، وأنا فعلاً جربت هذا الدعاء مستعينة بالله واثقة به ، لأن الرسول دعا به فى عز ما كان فى الكرب فعوضه الله خيراً (الإسراء والمعراج):

          (اللهم إليك أشكو ضعف قوتى ، وقلة حيلتى ، وهوانى على الناس ..  أنت أرحمُ الراحمين ، أنت رب المستضعفين وأنت ربى ..  إلى من تكلنى؟  إلى بعيد تتجهمنى ، أم إلى عدو ملكته أمرى؟  إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالى ، غير أن عافيتك هى أوسع لى ..!! أعوذ بنور وجهك الذى أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ، أن يحل علي غضبك ، أو أن ينزل بى سخطك ، ولك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك).

          بعد أن إنتهى الدعاء الخالص نزل عليه جبريل لأول مرة فى الطريق قال:  إن الله سمع ما قاله أهل الطائف لك وما قلته لهم ، وقد أرسل لك ملكاً لم ينزل إلى الأرض قط – فطلع الرسول فرأى ملك على عظم فى الخلقه ، وألقى عليه السلام فرد النبى عليه وقال له:  (1) أنا ملك الجبال وأنا الآن طوع أمرك ، (2) ورهن إشارتك – (لأن أمرتنى أن أُطبق الاخشبين لفعلت) الجبلين على أهل الطائف وأهل مكة – ولما رسول الله على قسط كبير جداً بل على درجة الذروة من الخُلق والتسامى والفضيلة والصبر والمصابرة وإدراك العواقب. 

          قال النبى:  يبعث كل نبى يوم القيامة ومعه أتباعه وأنا أُبعث ومعى من؟  إن الله بعثنى رحمة ولم يبعثنى نقمة وأنى أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يُشرك به شيئاً ، ثم رفع يده إلى السمآء وقال:  (اللهم أهدى قومى فإنهم لا يعلمون).

          (لأنه خاف أن تعاقبهم السمآء بشئ آخر).

          العلماء يقولون:  بدل ان يدعو عليهم دعا لهم – فبعد أن دعا لهم ونسبهم إليه هو اعتذر نيابة عنهم (فإنهم لا يعلمون).

          سيدنا جبريل: بُهت قال:  أخلاقك هذه الملائكة لا تحملها صدق من سماك بالرءُوف الرحيم.

          ربنا سبحانه وتعالى عوض عليه (عتبة بن ربيعة) كان له بساتين وعدد من العبيد فى هذه الأرض.  تحركت عاطفة القرابة فى قلبه فدعا غلاماً له نصرانيا يدعى (عداس) وقال له:  خذ قطفاً من العنب وأذهب به إلى الرجل.

          (1)فلما وضعه بين يدى الرسول مد يده إليه قائلاً: باسم الله..  ثم أكل فقال عداس: إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلدة؟  فقال له النبى:  من أى البلاد أنت؟ قال: أنا نصرانى من (نينوى) فقال رسول الله: أمن قرية الرجل الصالح يونس بن متى؟ قال عداس: وما يدريك ما يونس؟ قال رسول الله: ذلك أخى كان نبياً وأنا نبى.  فأكب عداس على يدى رسول الله ورجليه يقبلهما.  وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.

          ورجع إلى لسيده بالطبق الذى كان فيه العنب فسيده عتبه قال لأخيه: (أُقسم باللات والعزة أن عداساً رجع بوجه غير الوجه الذى ذهب به (الولد متغير) محمد سحره..

          (2)وجآء له وفد من جن نصبين سمعوه وهو يقرأ القرآن بالليل وهنا جآء الفرج من الله..  إسلام عداس كان إشارة إلى إسلام العبيد.

          (3)وإسلام الجن إشارة بأن إذا استغنى عنك الإنس فالجن يسلمون.

          (4)ثم جآءت قصة الإسراء والمعراج فقال الله له:

          (إن ظلمك أهل الأرض فليكرمك أهل السمآء).

          قريش أصدرت أمر بعدم دخول الرسول مكة مرة ثانية ورجوعه إلى مكة كان فيه نوع من العنف على النفس وحرق الأعصاب ، فأرسل الرسول – صلوات الله وسلامه عليه زيد بن حارثة إلى رجل كافر ولكنه عنده شهامة مطعم بن عدى ….

          الرسول يقول لك:  أحميه حتى يدخل مكة ويدخل بيته (فقبل مطعم) واستنهض أبناءه فحملوا أسلحتهم ووقفوا عند أركان البيت الحرام وكان عنده أربع أولاد ، كل واحد منهم عند ركن من أركان البيت الحرام (1) أنت عند الركن العراقى – (2) وأنت عند الركن الشامى – (3) وأنت عند الركن اليمنى – (4) وأنت أمام الحجر الأسود – وركب ناقته ثم نادى:  يامعشر قريش قد أجرت محمداً – عليه الصلاة والسلام – فلما أنتهى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى الكعبة صلى ركعتين ثم انصرف إلى بيته ومطعم وأولاده يحرسونه بأسلحتهم.

          وحفظ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – للمطعم بن عدى هذا الصنيع ، وقال: (لو كان مطعم بن عدى قد نطق بالشهادتين لترحمت عليه).

 

(  والحمدلله رب العالمين )

 

 

 

 

اترك تعليقاً