ماذا يحدث قبل الموت وعند الموت وما بعد الموت؟ (1)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

        الحمدلله رب العالمين ، والصلاة والسلام على منقذ البشرية وهادى الإنسانية محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد،،،

          فإن الدار الآخرة هى الهدف الأول والأوسط والأخير لكل من شآء أن يتخذ مع ربه سبيلاً.

ولولا الدار الآخرة ما صلى المصلون ، وما صام الصائمون ، وما زكى المزكون ، ولا حاج الحاجون ، ولا جاهد المجاهدون ، وما صبر الصابرون ، وما تخلق المخلقون بإخلاق الخير وبمكارم الأخلاق كما قال الإمام عبد اللطيف مشتهري .

ولقد ذُكر الموت فى كثير من آيات القرآن الحكيم ومنها فى سورة الجمعة الآية(8):

(قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)

والآية الثانية فى سورة الزمر الآية (68):

(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاء اللَّهُ) 

والآية الثالثة فى سورة العنكبوت الآية (64):

(وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)

بمعـــــنى:  الحياة الكاملة الخالدة فلها يعمل العاملون وفى عملها يتنافس المتنافسون.  وهى الحياة التى يجب أن نعمل لها لبقائها وخيرايتها إذ لو علموا أن الآخرة خير لما أقبلوا على الدنيا وأعرضوا عن الآخرة ، ولكن جهلهم هو سبب إعراضهم – فدواؤهم العلم.

لماذا نذكر الموت؟

          الله لا يريد من ذكر الموت أن يعطل الناس عن أعمالهم فيدركهم الهم والغم والحزن فيتكاسلوا عن الجهاد والسعى ، كلا ، إنما المراد والهدف من وراء ذكر الموت والتذكير به: (1) ان تراقب الله فى عملك لأن من تيقن أن من وراء الدنيا أخرى ، وإن من وراء العمل حساباً ، وإن من وراء العبد رباَ خبيراً عليماً فلابد أن تصدر منه الأعمال على هدى وعلى أساس من تقوى فلا يسرف ولا يشطط ولا يفرط.

فائدة ذكر الموت:

أولاً:  لما نعرف الموت والدار الآخرى فهذا يخفف عنا المصائب كموت زوج أو ابن أو بنت أو أخ فى الحرب وفى غير الحرب.

          وكما قال كعب الأحبار – رضوان الله عليه:  (من عرف الموت هانت عليه مصائب الدنيا وهمومها)

ثانياً:استعداد للموت:  لا نتكالب على الدنيا ، كل واحد عنده أموال وأطيان حتى الملابس لم يأخذ منها شئ ، حتى لو كنت مركب سنة ذهب يكسرها ويأخذوها من فمك ، ويقولون الحى أولى من الميت وكذلك الدبلة.

ثالثاً:عندما يتذكر الزوج الموت يتلطف مع زوجته وأولاده وجيرانه وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (لو تعلم البهائم من الموت ما يعلم ابن آدم ما أكلتم منها سميناً).

          وقالت عائشة – رضى الله عنها:  يارسول الله هل يحشر مع الشهداء أحد؟(نذكر حال الشهداء فى الجنة) ، قال: (نعم من يذكر الموت فى اليوم والليلة عشرين مرة).

          وإنما سبب هذه الفضيلة كلها أن ذكر الموت يوجب أن تتجافى عن دار الغرور وتستعد للآخرة – والغفلة عن الموت تدعو إلى الإنهماك فى الشهوات.

كيف أتذكر الموت؟

          يتذكر أصحابه وأقاربه وأحبائه الذين مضوا قبله فيتذكر موتهم ومكانهم فى التراب ويتذكر صورهم فى مناصبهم وأحوالهم ويتأمل (1) كيف محا التراب الآن حسن صورهم ، (2) وكيف تبددت أجزاؤهم فى قبورهم ، (3) وكيف أرملوا نساءهم وأيتموا أولادهم ، (4)وخلت منهم مساجدهم ومجالسهم وأنقطعت آثارهم ، (5) وأنه كيف كان يتردد والآن تهدمت رجلاه ومفاصله ، (6) وأنه كيف كان ينطق وقد أكل الدود لسانه ، (7) وكيف كان يضحك وقد أكل التراب أسنانه ، (8) وكيف كان يدبر لنفسه مالا يحتاج إليه – إلى عشر سنين – فى وقت لم يكن بينه وبين الموت إلا شهر وهو غافل عما يراد به.

          فعند ذلك ينظر فى نفسه أنه مثلهم وغفلته كغفلتهم وستكون عاقبته كعاقبتهم.

نظر ابن مطيع  ذات يوم إلى داره فأعجبه حسنها ثم بكى ، فقال: والله (1) لولا الموت لكنت بك مسروراً ، (2) ولولا ما نصير إليه من ضيق القبور لقرت بالدنيا أعيننا ، ثم بكى بكاءً شديداً حتى أرتفع صوته.

يقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم:

(أكلكم يجب أن يدخل الجنة؟  قالوا:  نعم يارسول الله ، قال: (قصروا من الأمل ، (2) وثبتوا آجالكم بين أبصاركم ، (3) واستحيوا من الله حق الحياء).

لا تعتمدوا على الدنيا إعتماداً كاملاً – يجعل الدنيا هدف له وإنما الآخرة هى الهدف، وتضع أمام عينك أن لك نهاية وأن الدنيا لن تطول.

بينما سليمان بن عبدالملك فى المسجد الحرام إذ أتى بحجر منقور فطلب من يقرؤه فأتى بوهب بن منبه فإذا فيه:  ابن آدم إنك لو رأيت قرب ما بقى من أجلك لزهدت فى طول أملك ولرغبت فى الزيادة من عملك ، وإنما يلقاك غداً ندمك لو قد زلت بك قدمك وأسلمك أهلك وحشمك وفارقك الوالد والقريب ورفضك الولد والنسيب فلا أنت إلى دنياك عائد ولا فى حسناتك زائد فاعمل ليوم القيامة قبل الحسرة والندامة ، فبكى سليمان بكاءً شديداً.

وكان الحسن البصرى يقول فى موعظته:

المبادرة المبادرة فاما هى الأنفاس لو حُبست انقطعت عنك أعمالكم التى تتقربون بها إلى الله عز وجل – رحم الله أمرأ نظر إلى نفسه وبكى على عدد ذنوبه ثم قرأ هذه الآية:  (إنما نعد لهم عداً) يعنى الأنفاس –آخر العدد خروج الروحآخر العدد فراق أهلكآخر العدد دخول قبرك.

قال ابن عمر:  خرج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – والشمس على أطراف السعف فقال:  (ما بقى من الدنيا إلا كما بقى من يومنا هذا فى مثل ما مضى منه).   أخرجه الترمذى.

قال عيسى عليه السلام:

(لا تهتموا برزق غد فإن يكن غد من آجالكم فستأتى فيه أرزاقكم مع آجالكم وإن لم يكن من آجالكم فلا تهتموا لآجال غيركم).

كان هناك رجل حبشى كان يصلى ليلاً ويلتفت يمينا وشمالاً فقال له قائل: ماهذا؟  قال: (أنظر ملك الموت من أى جهة يأتينى).

حقيقة الموت تدرس فى الجامعات الأجنبية وفى وقت الحروب يأتوا إلى المستشفيات ومعهم الكاميرات الدقيقة تصور الأشياء الخفية يضعونها بجوار الميت لكى يروا ما يحدث عند خروج الروح – الذين ليس عندهم قرآن ولا ميزان ولا صراط وكتبوا الكتب فى خروج الروح وهم حصلوا عليها باسم الخبرة والتجارب والبحث– ونحن دلنا عليها القرآن الكريم منذ 14 قرن.

الفصـل والقضـاء

فعلى الإنسان (1) الذى آخره الموت ، (2) والتراب مضجعه ، (3) والدود  أنيسه ، (4) منكر وتكبر جليسه ، (5) والقبر مقره ، (6) وبطن الأرض مستقرة ، (7) والقيامة موعده ، (8) والجنة أو النار مورده أن يفكر فى الموت ويتذكره ويستعد له فإن كل ما هو آت قريب والبعيد ما ليس بآت.

وقد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت) 

(الملائكة تغرس الأشجار للأتقياء العاملين).     الكيسُ:  العاقل.

وقال عمر بن عبدالعزيز لبعض العلماء: عظنى.  فقال:  لست أول خليفة تموت؟  قال:  زدنى ، قال العالم:  ليس من آبائك أحد إلى آدم إلا ذاق الموت وقد جآءت نوبتك.  فبكى عمر لذلك

كتب بعض الحكماء إلى رجل من إخوانه: 

(يا أخى أحذر الموت فى هذه الدار قبل أن تصير إلى دار تتمنى فيها الموت فلا تجده).  كما ذكر القرآن: (وقالوا يا مالك ليقضى علينا ربك).

يقول لقمان لابنه:

(يا بنى الموت أمر لا تدرى متى يلقاك استعد له قبل أن يفجأك).

فالإسلام قبل الموت يوصى بشئ مهم جداً وهو الوصية.

الوصـــــــية

          نقول إحنا ناس غلابة ليس عندنا أملاك ولا أطيان ولا لنا ولا علينا ، ولكن الوصية ليست خاصة بأصحاب ذوى الأملاك.

مثال1:  توعد صديق بعد ثم يموت ويأتى الورثة ولم يأخذوا بالهم من هذا الوعد – اكتب فى كراسة إنى وعدت فلان أنى أنا أخذ ابنتها لإبنى فلان أو فلان له مبلغ كذا وسوف يسدد يوم كذا.

الحياةعبارة عن نأخذ من الناس ونعطى الناس ونوعد الناس وكما تعلم أن الموت يأتى بغتة فجأة.  فلازم نعلن من وراءنا بذلك (الورثة).

          هل نحن كنا عارفين متى سنموت؟  بالطبع لا.

مصداقاً لقوله تعالى فى سورة الروم الآية (40):

(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)

أربع أشياء خاصة بالله:  الخلقالرزقالموتوالحياة.

(1)           إن الله خلقنى فى بطن أُمى بدون إرادتى وغير علمى ولا علم أمى وأبويا.

(2)           أن أموت فى الآخرة إن الذى خلقنى من غير إرادتى يأخذنى من غير إرادتى أيضاً (وما يدرك لعل الساعة تكونُ قريباً).

يموت الإنسان فيقول الأطباء كان عنده جلطة فى المخ – ذبحة صدرية ، المهم ربنا أخذ وديعته وخلاص – الله سبحانه وتعالى يقول سوف أقبض روحك وسميها ما شئت.

كان النبى – صلى الله عليه وسلم – جالس مع أصحابه وفيه شاب جالس معهم ، بعد وقت الشاب مشى – وإذا برجل آخر قال:  فلان مات.   قال النبى – صلى الله عليه وسلم:  (الذى كان معى أنفاً).  قال الرجل:  نعم.  قال النبى – صلى الله عليه وسلم: (سبحان الله كأنه أُخذ على غضبة من حُرم وصيتهُ ، حُرم الخير كله).

(أُخذ على غضبة)  كأن أعماله ليست على ما يرام فأخذه الله على غفلة فجأة من غير إنذار من غير ما يرسل له لفت نظر أو إنذار يتوب – يستغفر يصلح أولاده – ديوانه – وما عليه – يعدل أحواله.

          بعد ما يموت الرجل ولم يجدوا ما وصى به بالذى له وما عليه مات على شقاء مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم:

(من مات على وصية مات على هدى وسنة وسبيل (أى سبيل مستقيم) ، ومن مات على غير وصية مات على شقاء وعلى غير سبيل ثم تلا قوله تعالى: “ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين”).

والله يقول فى سورة يس الآية (49):

(مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ)

وهى نفخة إسرافيل فى الصور وهى نفخة الفناء تأخذهم وهم يختصمون فى البيع والشراء فى أسواقهم والأكل والشرب ، وفى مجالسهم العامة والخاصة إذ يأتيهم الموت فجأة بغتة.

ما ينتظرون إلا نفخة إسرافيل تأخذهم وهم يختصمون فى أمور دنياهم فيموتون فى مكانهم ، مصداقاً لقوله تعالى فى سورة يس الآية (50):

(فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ)

فلا يستطيعون أن يوصى بها أحدهم لابنه أو أخيه ولا إلى أهلهم منازلهم وأزواجهم وأولادهم يرجعون بل يموتون فى أماكنهم ملك الموت جآء ليأخذ روحهم.

لم يلحق يوصى ولم يرى وجه إمرأته وأولاده – والمرأة عند موت الزوج مرتبكة ولا تعلم شئ من إيصالات وكمبيالات ، (روح المؤمن محبوسة عن الجنة حتى يٌقضى دينه).

حتى الوعــد:  عن عبدالله بن عمر بن الخطاب – رضوان الله عليهما – عندما كان يموت جمع اولاده وقال لهم:  كان منى شبه وعد لفلان أن أعطى ابنتى لابنه – قالوا له:  تكلمت معه ووعدته.  قال: لا ، هو طلب البنت لإبنه أنا سكت.  فربما هو إعتبر سكوتى رضا –وأنا أخشى أن ألقى الله بشبه نفاق لأن من علامات النفاق (إذ وعد أخلف) ، شبه وعد فخاف أن يقابل الله بشبه نفاق – البنت عندكم زوجوها ، وكان ابن عمر يخاف من الله جداً ويمشى مع الرسول شبر بشبر.

ثانياًالإمام ثابت ابن قيس الصحابى الجليل:

          قال تعالى فى سورة الحجرات الآية (2):

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ)

كان ثابت سمعه بسيط (أطرش) فكان يزعق يظن أن الذى أمامه لا يسمعه فلما نزلت الآية – فقرأ فقال:  هذه الآية نزلت لى ، ولكن الله أنزل هذه الآية لتعليم المسلمين.

قال لأمرأته حبط عملى وحبط جهادى كل الغزوات وصلاتى وصومى قالت لماذا؟  قال أرفع صوتى على الرسول – أدخل الحجرة ولا تفتحى لي إلا فى وقت الصلاة والله لا أذوق مناماً ولا طعاماً حتى أهلك أو يرضى عنى ربى).

فالرسول زعيم إنسانى رحمة كان يتفقد أصحابه فيزكى من حضر ويسأل من غاب ويعود المريض ويشيع الميت ويساعد الفقير ويرحم المرأة والمصاب– الرسول لم يرى ثابت لمدة أربع أيام.  فقال:  (أين ثابت؟) ، قالوا:  لا ندرى.  قال: (سبحان الله يمرض مرضكم فلا تعرفون ويموت ميتكم فلا تعرفونه ويحتاج فقيركم فلا تساعدونه هل هذا إسلام؟  أين جاره المسئولية عى الجار قال:  أنت مسئول عنه أمام الله وأمامى.  قال يارسول الله:  أذهب – ذهب وجد امرأته تبكى ، فقالت له:  إن ثابت أقسم بالله ان لا يفتح الباب ولا ينام ولا يأكل حتى يرضى الله عنه ، فوصل الكلام لرسول الله:  (ارجع إليه وقول له أنت لست منهم بل تعيش حميداً وتلقى الله شهيداً سعيداً).  لا ينطق عن الهوى.  فقال له جاره:  (ياليتنا كنا معك فنفوز فوزاً عظيماً).  لم يصدق ذهب إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم وقال: أنت بلغت ذلك (أعيش حميداً وألقى الله شهيداً).

فى عهد أبوبكر جآءت حرب اليمامة وجآء وعد الله أن يموت ثابت شهيداً – يطلع ثابت مع جيش أبوبكر للحرب فهو يعرف أنه سوف يموت شهيداً ولكن متى؟  لا يدرى – الله يعطى الوعد ولكن متى لا ندرى.

نظر ثابت إلى جيش المسلمين فلقى نوع من الإسترخاء وليس عندهم  إقبال وإقدام وشجاعة وصبر وثبات بنفس الدرجة التى كانت عندهم على عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم ، فقال لصديقه هناك كفار يحاربوننا ومسلمين ليسوا على المستوى قال له: نعم – فقال ثابت:  أنا أقدم لله الإعتذار.  (اللهم إنى إبرءوا إليك مما يصنعُ هؤلاء وأشار إلى الكفرة).

واعتذرُ إليك مما يصنعُ هؤلاء وأشار إلى المسلمين المتكاسلين.

أنا سوف أحارب حسب مواقفى مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم: أنا أحفر لى حفرة والحفرة تغطينى إلى التراقى فى ميدان المعركة لكى لا أستطيع أن أطلع منها وأمسك السيف والدرع واضرب فى الكفار وأضمن إنى لا أفر من المعركة فى هذه المعركة فى هذه الحفرة – واصبر واحتسب ، وإن انتصرنا فالحمد لله ، وإن مت فأكون قد صنعت لله شئ على قدر مجهودى.

قال له صديقه:  أصنع ما بدا لك – عمل الحفرة وبدأ الحرب وبدأ يضرب ويضرب حتى موته ، فركن برأسه على الحفرة.

وعند الليل افترق الجيشين للإستراحة وكان قائد الجيش خالد بن الوليد وبالليل جآء ثابت إلى خالد فى المنام وقال له:  (الوصية) ، يا خالد تنبه فإنى أُخاطبك الآن من جوف الآخرة – أن أستشهدت اليوم وأنا موجود فى الحفرة فى المكان الفلانى وإن واحد منافق مر على حفرتى فأخذ الدرع وسرقه ودرعى موجود فى الخيمة الفلانية بجوار الدرع تجد فرس يلف فى حباله وهائج (1).

وأما الثانية:  فأنا عندما خرجت من بيتى للمعركة فكان العبيد يقولون لى ردك الله منصوراً يا سيدى – فقلت لهم إن نصرنا الله فأنتم أحرار فسألك الله يا خالد – فإن بشائر النصر ظهرت فأرجو أن تبلغهم أنهم أحرار لأنى أخشى أن يحاسبنى ربى قبل أن يورثوهم أولادى لا تضمهم إلى التركة… (وهو الآن غير مكلف بذلك).

وأما الثالثة:  إنى كنت استدنت ديوناً لضيوف رسول الله الذين يأتون من الأقاليم والله ما أطعمت زوجة ولا عيالاً – وهى تبلغ المئات والألوف فأمُر الخليفة أبوبكر أن يسدد من بيت المال– فروحى محبوسة عن الجنة حتى يُقضى الدين.

تنبه خالد من النوم وقال سبحان الله ذهب إلى الحفرة فوجد ثابت قال:  رضى الله عنك يا ثابت فدفنه بدون أن يُغسل ولا يُكفن (كفنه بهدومه).  وبحث عن الخيمة وجد حصان هائج ووجد الدرع قال للرجل:  لمن هذا الدرع؟  فقال الرجل:  هذا درعى.  قال خالد:  إنه ليس ملكك إنه ملك ثابت بن قيس– قال الرجل:  صدقت من أنبئك؟ قال خالد: أنبئنى ثابت من الدار الآخرة.

ألم تعلم أن الغُلُول (الخطف من الغنيمة جريمة) قال الرجل:  كنت سوف أعطيه لك فى الصباح ، قال خالد:  نحن صلينا الصبح مع بعض لولا أن الإسلام نهانا أن نقيم الحدود فى الحروب والسفر لقطعت يدك – نلتقى فى المدينة بعد الحرب.

رجع خالد منصوراً ونادى العبيد وقال لهم: إن ثابتاً استشهد قالوا: أكرمه الله – قال خالد: (1) ابشروا فقد جمع الله لكم بين نعمة سيدكم بالشهادة وبالعتق إن ثابت ابلغنى أنكم أحرار وقد بلغنى ذلك من جوف الآخرة ، (2) وذهب خالد إلى أبى بكر الصديق نفذ وصيته فإنه هو الميت الحى – فأرسل ابوبكر لزوجته فقالت:  ما شعرنا بهذا الدين أموال كان ينفقها لضيوف رسول الله – صلى الله عليه وسلم )– قالوا رواه الحديث:  ما سمعنا أن إنساناً نفذت وصيته بعد الموت فى هذه الثلاثة الدرع الذى سلب – الديون التى سددت والعبيد الذين اعتقوا مثل ما نفذ أبوبكر وصية ثابت بن قيس –وهذا إن دل فإنما يدل على أن الوصية مهمة جداً.  ويجب علينا أن نعد الوصية وتكون عندنا جاهزة.

…  فأدرك نفسك من الآن.

وكما يقول النبى – صلى الله عليه وسلم:

(لا يحل لمسلم عنده شئ يوصى به يبيتُ ليلتين أو ثلاثة إلا وصية مكتوبة عند رأسه).

لأن خروج الروح بيد الله وبإذنه وأمره وليس بأيدينا حتى نبطء ما شئنا ونؤخر ونسوف –فما دامت الروح جآءت بأمر ربها وأنها تخرج من البدن بأمر ربها والواحد منا لا دخل له فى البدء ولا فى النهاية ، فالواجب علينا:أن تكون الوصية معلومة ومكتوبة لمن يخلفه وراء ظهورنا حتى لا يتسبب الإهمال فى إرتباك الورثة فيما له وفيما عليه.

وكم من إنسان منا تغافل ثم جاءه الموت وترك زوجته وأولاده فى منتهى الإرتباك حتى انهم يتشاغلون بالعواقب السيئة التى خلفها بإهماله عن الدعاء له – ولو أنه عُنى بالوصية وسجلها فى حياته وأطلع عليها أهله وذويه لاستراح وأراح.

وكما يقولون:جمعوا فلم يأكلوا – وزرعوا فلم يحصدوا وبنوا ولم يسكنوا وأملوا الأمانى ولم يدركوا – بل قطعُ الثياب ولم يلبسوا ولم يخرجوا إلا بقطن وخرقة …

وكما جآء بالآية الكريمة فى سورة النساء الآية (12):

(مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ)

          تفيد الآية الكريمة أن الوصية والدين ، اللذين قُصد بهما الإضرار ، لا يجب تنفيذهما ، والمضارة فى الوصية أن يوصى بأكثر من الثلث ، والمضارة فى الدين أن يقر بدين لمن ليس له عليه دين للإضرار بالورثة.

(  والحمدلله رب العالمين )

اترك تعليقاً