بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين.
أما بعد،،،،
أحداث السنة الثانية من الهجرة:
كانت قريش تصوم يوم عاشوراء عملاً بما علموا من شريعة إبراهيم وإسماعيل عليهم الصلاة والسلام – وكانوا يعظمونه بكسوة الكعبة فيه.
وكان النبى – صلى الله عليه وسلم – يصومه قبل البعثة موافقه لهم – وبعد البعثة وقبل الهجرة بوحي – لأنه فعل خير – ولما هاجر إلى المدينة صامه وأمر الناس بصيامه.
الدليل: حديث عائشة – رضي الله عنها قالت:
(كان يوم عاشوراء ، يوماً تصومه قريش – في الجاهلية – وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يصومه ، فلما قدم المدينة صامه ، وأمر الناس بصيامه – فلما فُرض رمضان قال: (من شاء صامه ومن شاء تركه).
وقال الحنفيون ومالك وبعض الشافعية:
(أن صيام يوم عاشوراء كان فرضاً ثم نسخ بفرض رمضان وصار صومه سُنة) ،
وفي يوم 2 شعبان في السنة الثانية للهجرة نزل من السمآء الأمر بصيام رمضان فى سورة البقرة الآية (183 : 185):
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ)(185).
ابن كثير وغيره من العلماء قالوا: (إن الصيام كان على ثلاث مراحل): (1) فكان فرض صوم عاشوراء – (2) صيام رمضان ليست على الطريقة التى نسير عليها اليوم – ولكن كان يباح للصائم عند المغرب أن يفطر بشرط ألا يكون قد نام – وإذا نام حرم عليه الطعام إلى مغرب اليوم الثاني – ولا يوجد سحور.
المسلمون عاشوا على ذلك فترة من الزمن – وأنتم كما تعلمون أن المدينة وما فيها من معاناة في كسب العيش – فكان بعضهم يكد ويكدح ويأتي المغرب وزوجته لم تحضر شئ للإفطار.
مثال1: وأن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائماً وكان يعمل في النخيل بالنهار – فلما حضر الإفطار أتى امرأته – فقال لها: أعندك طعام؟ قالت: لا ، ولكن أنطلق فأطلب لك ، وكان يومه يعمل ، فغلبته عيناه ، فجاءته امرأته – فلما رأته قالت: خيبة لك! فلما انتصف النهار غُشى عليه – فذكر ذلك للنبى – صلى الله عليه وسلم.
وكان يحرم عليهم شيئان الطعام والشراب ، وقربان النسآء.
بمعنى: يأكل ويشرب ويصلى العشاء ثم يجتمع مع امرأته ثم ينام لليوم التالي ، وقد نزلت هذه الآية ابتداء بالجماع (جماع عمر – رضي الله عنه – لا جوع قيس –، سورة البقرة الآية (187):
(أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ).
السبب في نزول الآية كما ذكره النحاس.
أن عمر نام ثم وقع بامرأته ، وأنه أتى النبى – صلى الله عليه وسلم – فأخبره بذلك فنزلت الآية.
خان عمر نفسه – رضى الله عنه – فجعلها الله تعالى شريعة وخفف من أجله عن الأمة – رضى الله عنه وأرضاه.
ومعنى الآية:
خان واختان بمعنى من الخيانة – أي تخونون أنفسكم بالمباشر في ليالي الصوم ومن عصى الله فقد خان نفسه إذ جلب إليها العقاب – وسماه خائناً لنفسه من حيث كان ضرره عائداً عليه.
(أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ) : كلمة جامعة لكل ما يريد الرجل من امرأته.
وقد أجهد هذا الحال الصحابة إجهاداً شديداً وكأنه كان بلاءً من الله (ليعلم اللهُ من يخافُه بالغيب).
ولكن هذا كان فوق طاقتهم فكان منهم من نام قبل أن يأكل ومنهم من أضجع مع زوجته – فلما كثرت الأحداث.
لما حصل تعب شديد عن البعد عن النسآء وعدم الأكل والناس في جهد حول الله الصيام إلى المرتبة الثالثة التى هي نحن عليها الآن إلى يوم القيامة ، والله سبحانه وتعالى نسخ هذا الحكم الشديد وقال: كلوا واشربوا وناموا مع أزواجكم ولا يضركم النوم ولا عدم النوم ، سورة البقرة الآية (187):
(كُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ).
وأصبح هذا شرعاً مستقيماً.
وفك الله الكرب عن الصحابة. مثال1: لما الأب يعطي لأبنه 50 قرش يبقى الولد تعبان وفي شدة يركب بكام ويأكل في المدرسة بكام – ولكن لو أبوه أعطاه 100 قرش تبقى فرحة كبيرة عند الطفل لأنه وجد بعد عسر يسر وبعد ضيق فرج – ولكن لو أعطاه من أول الأمر 100 قرش وبعد ذلك أعطاه 50 قرش تبقى مُصيبة كبرى لأنه في أول الأمر بحبح.
فمن شأن الله جل وعلا فى تربية الأمم أنه قد يُصعب عليهم الأمور في أول الأمر – لكي يخضعوا لجنابه ورحابه فيقولون: سمعنا وأطعنا – فيقول الله تعالى: (مادمتم قلتم سمعنا وأطعنا ولم تتمردوا على أمرى أنا رحمة من عندي تفضل وتنازل (نرفع ننسخ) عنكم هذا الحكم).
… كان هذا التحول في الصيام كان على ثلاث مراحل:
(1) مرحلة فرضية صيام عاشوراء.
(2) لما شرع رمضان وأصبح عاشوراء سُنة – وكان محرماً على كل صائم أن يتناول طعاماً أو شراباً أو قرباناً للنسآء بعد أن ينام ثم نسخ الله هذا الحكم وجعله الأكل والشرب والنسآء مباحات كلها إلى طلوع الفجر. (ثم أتموا الصيام إلى الليل).
جعل الله جل ذكره الليل ظرفاً للأكل والشرب والجماع والنهار ظرفاً للصيام . إذاً مشروعية الصيام كان في العام الثاني للهجرة في 2 من شعبان.
وكما قال سيد العباد: (البطنةُ رأس كل داء والحمية رأس كل دواء).
بمعنى:
البطنة: زيادة في الأكل – التخمة. الحمية: تحمى بطنك وتأكل خفيف أحسن دواء لك ولا تحتاج إلى أى دكتور إلا إذا حدث عوارض في الطريق صدمة أو تقع.
(ما ملأ ابن آدم وعاء شر من بطنه).
ولو نظرنا إلى الصيام من الناحية الروحية:
يكفى علي وأنا صائمة – أني متشابه لجبريل – لماذا؟ لأن جبريل ملك لا يأكل وأنا لا أكل ، ملائكة الله كلهم لا يأكلون ولا يشربون وأنا متشابها بهم.
بل في الصوم سر غريب وهو تشبهم بالله الصمد.
فمن ضمن معاني الصمد: هو الذى لا جوف له ولا أكل له بجانب يقصد إليه في الحوائج – الصمد وهو السيد..
والصيام من عوامل تقوية الروح المعنوية جداً. بجانب سماع القرآن في التراويح ثم الدروس ثم نصحى الصباح بمسك المصحف وقراءة جزء من القرآن على الأقل لكي يختم في آخر الشهر ، وبذلك تشعر بأن روحك بترفرف عالية مشرقة بنور الله – والشياطين أخذوا أجازة.
(لأن الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم في العروق فضيقوا مجاريها بالجوع) لما نصوم نعطي للجهاز الدموي والجهاز الهضمي والجهاز التنفسي أجازة لبعض الوقت وهذا قليل من كثير من حكم الصيام التى شرعت في السنة الثانية من الهجرة في 2شعبان.
( والحمد لله رب العالمين)