الموضوع : خطاب الله عزوجل إلى المؤمنين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبي المصطفى.
أما بعد ،،،
فيقول الله عزوجل في سورة البقرة الآية (254):
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254)
فالبشر من آدم إلى يوم القيامة مصنفون في مقاييس البشر بمئات التصنيفات ، لكنهم جميعاً عند الله صنفان لا ثالث لهما.
الصنف الأول: صنف عرف الله فأنضبط بمنهجه ، وأحسن إلى خلقه ، فسلم وسعد في الدنيا والآخرة.
الصنف الثاني: صنف غفل عن الله وتفلت من منهجه ، وأساء إلى خلقه ، فشقى وهلك في الدنيا والآخرة.
ولن تجد صنفاً ثالثاً ، وقد يقول أحدكم ما الدليل؟
(لولا الدليل لقاء من شآء ما شآء) الدليل قوله تعالى في سورة الليل (5 – 7 ):
(فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)
بنى هذا الإنسان حياته على العطاء ، يعيش ليعطي من كل شئ من علمه ، من ماله ، من جاهه ، من وقته ، من خبرته ، من عضلاته.
(فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى) أتقى أن لا يعصي الله ، يعني إستقامة وعمل صالح.
(وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى) صدق إنه مخلوق للجنة ، وأنه جآء إلى الدنيا ليدفع ثمن الجنة.
الإستقامة: ما غششت ، ما أكلت مالاً حراماً – ما أغتبت ، ما أسأت ، ما كذبت.
هذا الصنف في جميع البلاد موجود ، أعطى وأتقى ، وصدق بالحسنة ، (فسنيسره لليسرى).
سوف يسوق له ربنا كل شئ لصالحه ، لصالح سعادته ، لصلاح سلامته ، لصالح فوزه ، لصالح دخوله الجنة.
يحكى أن عالم كان في جنازة وله صديق في مراحل التعليم الإعدادي صار عميد كلية الطب – لم يدخل المسجد ولم يصل ، وهو فى سن متقدمة ، فالإنسان يرى نفسه أكبر من أن يصلي ، أكبر من أن يعبد الله.
الصنف الثاني: غفل عن الله وتفلت من منهجه وأساء إلى خلقه ، فشقى في الدنيا والآخرة. مصداقاً لقوله تعالى في سورة الليل الآية (8 – 10):
(وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)
فأستغنى أن يطيع الله ، بنى حياته على الأخذ.
هو لماذا كذب بالحسنى؟
لأنه أراد الدنيا يشتري سيارة – بيت ويتزوج أجمل امرأة ، يسكن بأحلى قصر.
إسمع الآية (11) سورة الليل:
(وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11)
فى القبر – ترك إنسان ملايين صديق المتوفي رأي ابن المتوفى قال له إلى أين أنت ذاهب؟ قال له: ذاهب لأشرب الخمر على روح أبي. ترك مالاً والأبن جاهل.
هو في القبر وترك بيته الفخم ، أمواله الطائلة – الأموال المنقولة وغير المنقولة ، سيارته الفارهة – مقتنياته الثمينة ، التحف النفيسة ، يؤخذ منه كله.
اللهم أرحمنا إذا فارقنا النعيم وإنقطع عنا النسيم وقيل ما غرك بربك الكريم.
الآية: (254) سورة البقرة:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا (254)
يا من آمنتم بالآخرة – يا من آمنتم بجنة عرضها السماوات والأرض ، يا من آمنتم أنكم مخلوقون للجنة ، يا من أمنتم أن هذه الدنيا ممر وليست مقراً.
يا من أمنتم أن هذه الدنيا أعظم ما فيها العمل الصالح.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا (254)
وكل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ، ونحن من خطأنا الفادح نتوهم أن الدين صلاة وصوم وحج وزكاة ، إنتهى الأمر.
والله لا أُبالغ أن الدين خمسمئة ألف بند – منهج تفصيلي يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية.
فى بيتك ، فى طعامك ، فى شرابك ، فى نومك ، فى مزاجك ، فى غضبك ، فى رضاك ، فى أن تأخذ حقك من أعتدى عليك.
(يا أيها الذين آمنوا انفقوا مما رزقناكم)
إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم – أنت متفوق بالرياضيات لك إبن أخ ضعيف بالرياضيات أنفق من إختصاصك لخدمة إبن أخيك هذا إنفاق.
فلان صديقك وعنده إنسان مظلوم ، ولك مكانة عند الذى ظلمه إذهب إليه ، هذا إنفاق أنفق من جاهي من صداقتي لهذا الإنسان.
إن الهرم البشري يقع على رأسه فرقتان ، أقوياء وأنبياء.
(1)الأقوياء أخذوا ولم يعطوا.
الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا ، كان غرفة النبي – صلى الله عليه وسلم – لا تتسع لصلاته ونوم زوجته ، صغيرة جداً أعطى ولم يأخذ.
والأقوياء ، الفراعنة أخذوا من الناس كل شئ ، أخذوا جهدهم ، أخذوا وقتهم ، هذه الأهرامات مبنية بعرق شعب بائس مسحوق فقير مُضطهد.
(2)الأنبياء ملكوا القلوب ، إذهب إلى المدينة المنورة قف أمام المقام الشريف كم إنسان يبكي أمامه؟ ما ألتقوا معه ، ما أخذوا منه شيئاً ، الأنبياء ملكوا القلوب بكمالهم.
أ- سيدنا أبوبكر الصديق:
له جارة يقدم لها بعض الخدمات يحلب لها الشاه ، فلما أصبح خليفة المسلمين دخل الألم على هذه الجارة لأن هذه الخدمة في ظنها توقفت ، في صبيحة يوم إستلام الخلافة طرق باب الجارة صاحبة البيت قالت لأبنتها إفتحي الباب ثم سألتها من الطارق؟ قالت: جآء حالب الشياه يا أماه ، قالت إنه أمير المؤمنين ، هكذا رب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أصحابه.
ب- سيدنا عمر بن الخطاب:
قال: قرقر أيها البطن أو لا تقرقر والله لن تذوق اللحم حتى يشبع منه صبيان المسلمين.
ربى النبي الكريم أصحابه ليكونوا أعلاماً في الأرض – هذا الدين (1) تواضع ، (2)الدين عطاء (3) الدين خدمة ، فلذلك الأنبياء ملكوا القلوب والأقوياء ملكوا الرقاب.
(3)الأنبياء عاشوا للناس ، حياتهم لخدمة البشر ، والأقوياء عاش الناس لهم.
ما هو ثمن الآخرة؟ العمل الصالح
سؤال خطير ، إسأل نفسك أنا إذا وقفت بين يدي الله يوم القيامة ماذا فعلت؟
تقول أخت لنا والله كلامك مؤثر ولكن ماذا نفعل؟ ومعظم الناس وقد أكون أنا منهم تنصب في مصلحتنا نسافر – نتنزهه – نبيع – نشتري – طبعاً هذا بالنهاية أرباح لنا.
هل قدمت لك عملاً ليس لك منه نصيب إطلاقاً؟
هذا الذى يريده الله منك عمل صالح.
مثال1: قصة فراش في مدرسة حكومية يعني أقل مرتبه فى وظائف الدولة – عنده ثمانية أولاد – ساكن في بيت أُجره من غرفة واحدة – ورث أرضاً قيمتها 2 مليون جنية عرضها للبيع ، جآء من يشتريها ليجعلها مسجداً ، جآء المحسن الكبير أعجبته الأرض ووقع شيكاً بمليون جنية ، قال الرجل متى الباقي؟
قال المحسن: عند التنازل ، تذهب إلى الأوقاف وتقدم تنازلاً عن هذه الأرض كي تصبح مسجداً ، قال له: أنا أبيع أرضاً لتصبح مسجداً ، قال المحسن: نعم ، قال الفراش: والله أستحي من الله أنا أولى منك أقدمها لله.
قال المحسن: بحياتي ما صغرت أمام إنسان كما صغرت أمام هذا الإنسان.
لك عمل صالح ، لك خدمات ، حليت مشكلة – أطعمت فقيراً ، دللت إنساناً تائهاً ، رعيت يتيماً ، ربيت أولادك ، أنفقت مالك – ساهمت بمسجد – خدمت بمسجد – يجب أن يكون لك عمل ترقى به عند الله.
(أنفقوا مما رزقناكم)
إياك أن تقول أنا فقير ، أنا دخلي محدود لا يكفي مصروفي ، الإنفاق هنا واسع.
(1)الله رزقك علماً ، حضرت درساً تأثرت به (أكتب بعض النقاط) ، دعتك أختك إلى طعام الإفطار ، أثناء الطعام تتكلم لهم عنه (هذا إنفاق).
(2)لك جارة ألتقيت معها تكلمت معها.
(3)لك شريكة في العمل تكلمت كم نقطة – أنفقت من علمك ، أنفقت من وقتك ، أنفقت من خبرتك ، أنفقت من جاهك ، أنفقت من مالك ، المهم أنفق.
(من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خُلة ولا شفاعة)
العاقل من قدم شيئاً لله قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خُلة ولا شفاعة.
أنت قارئ قرآن علم القرآن – إن تتقن الحديث الشريف ، أن تتقن شراء الحاجات لك قريب على وشك الزواج ما عنده خبرة بالشراء إطلاقاً إذهب معه إلى السوق – خذ له غرفة نوم
جيدة ، خذ له حاجات أساسية بسعر معقول – قدم شيئاً.
قصة حقيقية: البدوي الذى كان ساكناً بجدة ، عندما توسعت جدة ، وإقتربت من أرضه ، والأرض أصبح سعرها مرتفعاً جداً ، نزل وباع الأرض لمكتب عقاري خبيث جداً سارق ، فالمكتب أشترى الأرض بثُمن ثمنها ، وعمرها بناية من إثني عشر طابقاً ، وهم ثلاثة شركاء. أول شريك سقط من أعلى طابق فنزل ميتاً ، والثاني دهسته سيارة ، إنتبه الثالث ، بحث عن صاحب الأرض ستة أشهر حتى عثر عليه ، ونقده ثلاثة أمثال حصته لينجو مما جرى لشريكيه قال البدوي: ترى أنت لحقت حالك.
(والكافرون هُم الظالمون)
والكافرون بالإنفاق ، الكافرون بالعمل الصالح ، الكافرون بتقديم خدمات للناس هم الظالمون.
والكافرون بمنع الزكاة الواجبة لله تعالى ولعباده هم الظالمون.
فقد نادى الله تعالى عباده المؤمنين وأمرهم بالإنفاق في سبيل الله تقرباً إليه وتزوداً للقائه قبل يوم القيامة حيث لا فداء ببيع وشراء (لا يشتري أحد نفسه بمال يدفعه فداءاً لنفسه من العذاب ولا صداقة تجدى) ، (ولا خُلة = صداقة تنفع صاحبها).
ولا شفاعة تنفع (الشفاعة لا تقبل إلا أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى).
ولا شفيعاً يشفع لكم ليحط عنكم من سيئاتكم إلا أن يأذن الله رب العالمين.
ولا أحد أظلم ممن وافى الله يومئذ كافراً – والكافر بالله هو الظالم المعتدي الذى يستحق العقاب.
((والحمدلله رب العالمين))