بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام عى النبى المصطفى.
أما بعد،،،
فهذه القرية هى قرية أنطاكية فى شمال الشام قرب تركيا جآءها المرسلون – أرسل الله رسولين اثنين – فعززنا بثالث – ثلاث أنبياء فى نفس الوقت … مصداقاً لقوله تعالى:
(وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ(13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ)(14).
الحواريون: أتباع عيسى الذين آمنوا وصدقوا.
إذ جآءها المرسلون وهم رسل عيسى عليه السلام ، إذ بعث برسولين وهم صادق وصدوق ثم لما آذوهما بالضرب والسجن بعث بشمعون الصفى رأس الحواريين أعلاهم شيخهم تعزيزاً لموقفهما – فقالوا لأهل أنطاكية (إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ) من قبل عيسى عليه السلام ندعوكم إلى عبادة الرحمن وترك عبادة الأوثان. بدوا يدعون قومهم وينذرونهم وقالوا (وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ) والهداية بيد الله عز وجل..
أى البلاغ البين الواضح فإن قبلتم ما دعوناكم إليه فذلك حظكم من الخير والنجاةوإن أبيتم فذلك حظكم من الهلاك والخسارة.
ورد أهل أنطاكية على الرسل قائلين: (إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ)
تشاء منا بكم حيث انقطع عنا المطر بسببكم:
(قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ).
فرد عليهم المرسلون:
(قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ).
فكان الرد الشنيع مثل الأمم السابقة – أولا اعتزلوهم ثم هدادُهم بالرجم والعذاب الأليم – هم بهذا تعدوا الحدود لما يصل الأمر إل تهديد النبى بالطرد أو الرجم أو العذاب عندها يتدخل الله عز وجل – الرسل قالوا لهم أنتم وصلتم إلى مرحلة الإسراف – توقفوا عند هذا الحد.
وهنا جآء رجل شعر بالخطر ، وصل قومه إلى نفس المستوى الذى وصلت إليه الأمم السابقة وصلوا إلى التهديد الرسل بالرجم أو العذاب والطرد فخاف على قومه من العذاب حيث يقول الله عز وجل:
(وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ).
أصحاب القرية إنه بعد أن تعزز موقف الرسل الثلاثة وأعطاهم الله من الكرامات ما أبرأوا به المرض بل وأحيوا الموتى بإذن الله وأصبح لهم أتباع مؤمنون غضب رؤساء البلاد وأرادوا أن يبطشوا بالرسل وبلغ ذلك حبيب النجار وكان شيخاً مؤمناً موحداً يسكن فى طرف المدينة الأقصى فجآء يشتد سعياً على قدميه فأمر ونهى وصارح القوم بإيمانه وتوحيده فقتلوه رفساً بأرجلهم.
فكان رد قومه فأخذوه ووضعوه فى الأرض وبدأوا يدسون عليه – ويروى ابن عباس: حتى أخرجوا قصبة حلقه وخرجت أمعائه
وقال لهم:
(اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ(21) وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(22) أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونِ)(23) إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ(24) إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ)(25).
إنى إذا أنا عبدت هذه الأصنام التى لا تنفع ولا تضر لفى ضلال واضح لا يحتاج إلى دليل عليه – ورفع صوته مبلغاً (إنى آمنتُ) بخالقكم ورازقكم ومالك أمركم دون هذه الأصنام والأوثان وهنا وثبوا عليه فقتلوه..
(قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ(26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ)(27).
ولما قيل له أدخل الجنة ورأى نعيمها ذكر قومه ناصحاً لهم فقال: (ياليت قومى يعلمون…) أى يعلمون بما غفر له وجعله من المكرمين وهو الإيمان والتوحيد حتى يؤمنوا ويوحدوا (فنصح قومه حياً وميتاً)وهذا شأن المسلم الحسن الإسلام والمؤمن الصادق الإيمان ينصح ويرشد ولا يضل ومهما قالوا له وفيه ومهما عاملوه به من شدة وقسوة حتى الموت قتلاً …
هذا شهيد فوراً يتمتع فى الجنة مع الشهداء يطير فى الجنة والشهداء فى حواصل طير خضر يمرحون كيف يشآوا.
وهنا جآء التدخل الإلهى:
نزل جبريل وصرخ صرخة واحدة فإذا هم خامدون هامدون مصداقاً لقول الله تعالى:
(وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاء وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ(28) إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ)(29).
إن كانت إلا صيحة واحدة من جبريل عليه السلام فإذا هم خامدون هلكى ساكنون ميتون لا حراك لهم ولا حياة فيهم …
ونراه (حبيب النجار) فى العالم الآخر.
ونطلع على ما أدخره الله له من كرامة – تليق بمقام المؤمن الشجاع المخلص الشهيد.
(قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ(26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ)(27).
وتتصل الحياة الدنيا بالحياة الآخرة.
ونرى الموت نقلة من عالم الفناء إلى عالم البقاء وخطوة يخلص لها المؤمن من ضيق الدنيا إلى سعة الجنة ومن تطاول الباطل إلى طمأنيته بالحق.
ومن تهديد البغى إلى سلام النعيم ، ومن ظلمات الجاهلية إلى نور اليقين.
ونرى الرجل المؤمن. وقد أطلع على ما آتاه الله فى الجنة من المغفرة والكرامة يذكر قومه طيب القلب رضى النفس – يتمنى لو يراه قومه ويرون ما آتاه ربه من الرضى والكرامة ليعرفوا الحق معرفة اليقين.
( والحمدلله رب العالمين )