من أحيا سُنتي فقد أحبني

بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله وكفى ، والصلاة والسلام على النبى المصطفى.

أما بعد،،،،

          فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه قال:  قال لي رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (يا بني إن قدرت أن تصبح وتمسي ليس في قلبك غش لأحد فأفعل).  ثم قال لي: (يا بني وذلك من سُنتي ، ومن أحيا سُنتي فقد أحبني ، ومن أحبني كان معي في الجنة).                                                                                            رواه الترمذي

          لقد سعد أنس بن مالك – رضي الله عنه – بصحبة النبى – صلى الله عليه وسلم – ونال شرف خدمته وهو ابن عشر سنين لمدة عشر سنين ، وفاز فوزاً عظيماً بوصاياه الحكيمة ، وحرص كل الحرص أن يحفظ كل ما يسمع منه ، ويعمل به.

          وهذه الوصية من وصاياه – صلى الله عليه وسلم – لهذا الرجل الكريم والصحابي الجليل والخادم المطواع يرويها لنا ، لنشاركه العمل بها.  حيث يقول له:

          (يا بني إن قدرت أن تصبح وتمسي ليس في قلبك غش لأحد فأفعل).

          حين ينادي العظيم خادمه يقول:  يا بني ، يدل ذلك على تواضعه.  والتواضع أول صفة من أوصاف عباد الرحمن.

          مصداقاً لقوله تعالى في سورة الفرقان الآية (63):

          (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا).

          أي:  متواضعين ، لا يتعالون على مخلوق مهما كان شأنه ، ولا يعتزون بما فضلهم الله به من حسب ونسب ، ولا يحملون في قلوبهم غلاً ولا حقداً ولا حسداً ولو لعدو.

          فأنظر – كيف يقول لخادمه:  يا بني!  إيناساً له وتطييباً لنفسه ، وقوله – صلى الله عليه وسلم:  (إن قدرت):  إن استطعت ألا تحمل في قلبك في جميع أحوالك – مصبحاً أو ممسياً غشاً لأحد فأفعل ، وأحرص كل الحرص على أن تلقى أخاك بوجه بشوش وقلب سليم فلا تعاقب ، ولا تعاتب ، ولا تجادل ، لا تأتين الناس بوجه وتعرض عنهم بوجه آخر ، ولا تجامل أحداً بغير حق ، ولا تشمت بأحد على ما ابتلاه الله وأنت تدعي على أنك معه بقلبك ، فتواسيه وتسليه وأنت تفرح لما وقع له أو أصيب به.

          وهذا هو معنى الغش الذى نهى النبى – صلى الله عليه وسلم – عنه ، وحذر منه.

          وتخليص القلب من هذا أمر صعب المنال إلا على قوم اعتصموا بالله ، وأخلصوا دينهم له ، وزهدوا في الدنيا ، ورغبوا في الآخرة ، وأعدوا لها العدة ، وتزودوا بالتقوى فكانت لهم شفاء من كل داء.

          وقد أخبر النبى – صلى الله عليه وسلم – أنساً بأن هذا العمل – الذى أوصاه به – هو من سُنته لكي يرتب على هذا قوله:

          (ومن أحيا سُنتي فقد أحبني ، ومن أحبني كان معي في الجنة).

          (أحيا سُنتي):  عمل بها ، وحافظ عليها ، وكان للناس قدوة فيها ، حباً فيه ، وطاعة له – صلى الله عليه وسلم.

(1)     فإحياء السُنة برهان على صحة الإيمان.

(2)     ودليل على الحب القوى الخالص لصاحب السُنة محمد – صلى الله عليه وسلم.

(3)     ومن أحيا السُنة فقد أحيا الله قلبه يوم تموت القلوب.

(4)     يكون على طريق الهدى ما ظل محافظاً على هذه السُنة.

وسُنة الرسول – صلى الله عليه وسلم – هي سُنة المرسلين من قبله فهو على طريقهم يدعو إلى الله بدعوتهم مصداقاً لقوله تعالى في سورة الأنعام الآية (90):

          (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده).

          إلا أن النبى محمد – صلى الله عليه وسلم – قد أمتاز عن المرسلين بالإمامة في مكارم الأخلاق ، وخصه الله بالشريعة التى جمعت كل الشرائع مما يتعلق بأمور الدين وشئون الحياة ، بحسب متطلبات الأمة من لدن بعثته حتى تقوم الساعة.

          مصداقاً لقوله تعالى في سورة المائدة الآية (3):

        (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا).

          وليس هناك أخوة أعظم من أخوة الإيمان ، لأنها تخلو من الأثرة وحب الذات ، وتصفو من أكدار الغل والحسد وإن أرقى إخوة إيمانية عرفتها الدنيا هي الأخوة بين المهاجرين والأنصار.

          (يا بني إن قدرت أن تصبح وتمسى ليس في قلبك غش لأحد فأفعل).

          وأعلم أن للغش صوراً كثيرة بعضها ظاهر جلي ، وبعضها مستتر خفي.

(1)     فقد يكون في البيع والشراء ، فيدل على الطمع والجشع وخبث الطبع وسوء الخلق.

(2)     وقد يكون الغش في إظهار الصداقة وحسن الصحبة بصورة خادعة من أجل الحصول على غرض من أغراض الدنيا.

(3)     وقد يتظاهر المرء بالصلاح والقى فيحسبه الناس من الأخيار وهو من كبار الأشرار.

(4)     وقد يكون الغش في المشورة وكتمان النصيحة ، وتلك خيانة يحذر الله منها عباده تحذيراً شديداً في آيات كثيرة منها.

          ولهذا فسر بعض العلماء النصح لله بأنه:  الإخلاص لله في القول والعمل ، والدعوة إلى عبادته ، وطاعته ، والنصح لرسوله:  العمل بسُنته ، والنصح لكتابه: تدبره والعمل به.

          فعليك أيها المسلم أن تكون لأخيك المسلم مثل ظله إن استطعت إلى ذلك سبيلاً ، تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر ، وتذكره بالله ، وتعينه على نفسه وشيطانه وهواه ودنياه.

 

 

((  والحمدلله رب العالمين  ))

 

 

 

 

اترك تعليقاً