بسم الله الرحمن الرحيم

       الحمدلله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين.

أما بعد،،،

          إنه كان فى بنى إسرائيل شيخ موسر له ابنة واحدة قتله ابن عمه طمعاً فى ميراثه.  ثم جاء يطلب بدمه قوماً آخرين.  فأنكر الآخرون قتله ، وترافع القوم إلى موسى (1)فأمرهم أن يأتوه ببقرة ليذبحوها ليبين لهم المجرم من البرئ فقالوا له إنك تهزأ بنا ، فأستعاذ بالله من أن يكون من الجاهلين الذين يهزأون بغيرهم.

          فقالوا: ادع لنا ربك يبين لنا ما هى؟  فقال لهم أن الله يقول:  (2) إنها بقرة بين الفتية والمسنة وأنها عوان.  ثم يطلب منهم أن يفعلوا ما أمرهم الله به ولكن بنى إسرائيل قوم جُبلُوا على (1) عدم امتثال أمر الله ، (2) وعدم المسارعة إلى أوامره ، (3) بل اعتادوا المماطلة والمطاولة فبحكم عادتهم لم يمتثلوا.  فسألوه عن لونها فبين لهم أن اله يقول:  إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين إليها لحسنها – فلم يشاءوا الامتثال وقالوا له:  إن البقر تشابه علينا فبين لهم البقرة (1) بأنها غير مذللة بالعمل ، (2) وأنها سليمة الأعضاء – وأن (3) لونها واحد لاشية فيه تخالف لون جسمها.  فطلبوا تلك البقرة فذبحوها – وبعد الذبح جآء موسى بلسانها وضرب به القتيل فحيى وأخبر بقاتله بقدرة الله تعالى.

ومع ظهور ذلك كله لبنى إسرائيل ، فإن قلوبهم بقيت على قساوتها كأنها الحجارة أو أشد قسوة منها – فهى (1) لا ترق ، (2) ولا تلين ، (3) ولا تخشع على عكس الحجارة غذ منها ما تتفجر منه العيون ومنها ما يلين فيهبط من خشية الله كما يدك جبل الطور لما تجلى له الرب تعالى – وكما اضطرب أُحُد تحت قدمى رسول الله – صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

وهذه الأوصاف فى البقرة سببها أنهم شددوا فشدد الله عليهم ودين الله يسر والتعمق فى سؤال الأنبياء وغيرهم من العلماء مذموم – نسأل الله العافية.

وروى فى قصص هذه البقرة روايات:

أن رجلاً من بنى إسرائيل وُلد له ابن وكانت له عجلة فأرسلها وقال:  اللهم إنى أستودعك هذه العجلة لهذا الصبى ومات الرجل ، فلما كبر الصبى قالت له أمه – وكان براً بها:  إن أباك أستودع الله عجلة لك فاذهب فخذها – فذهب فلما رأته البقرة جآءت إليه حتى أخذ بقرنيها – وكانت مستوحشة – فجعل يقودها نحو أمه – فلقيه بنو إسرائيل ووجدوا بقرة على الصفة التى أمروا بها فساومه فاشتط عليهم وكان قيمتها على ما روى عن عكرمة ثلاثة دنانير فأتوا به موسى عليه السلام وقالوا:

إن هذا اشتط علينا فقال لهم أرضُوه فى مكه – فاشتروها منه بوزنها مرة ، وقيل:  بوزنها عشرات مرات ، وقيل:  بملء جلدها دنانير.

أراهم الله تعالى بهذه القصة آية من آياته الدالة على حلمه وعلمه وقدرته وكان المفروض أن يعقلوا عن الله آياته فيكملوا فى إيمانكم وأخلاقكم وطاعتكم.

القصة فى سورة البقرة الآية (72 : 74):

(وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ(72) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ(73) ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ(74).

نفساً:  نفس الرجل الذى قتله وارثه استعجالاً للإرث.

ادارأتم فيها:  اختلفتم وتنازعتم أمر قتلها كل قبيل يقول قتلها القبيل الآخر.

ما تكتمون:  من أمل القاتل ستراً عليه دفعاً للعقوبة والفضيحة.

ببعضها:  ببعض أجزاء البقرة كلسانها أو رجلها مثلاً.

سبب قتله:   القول الاول:

          لأبنه له حسناء أحب أن يتزوجها ابن عمها فمنعه عمه فقتله وحمله من قريته إلى قرية أخرى فألقاه هناك ، وقالوا:  ألقاه بين القريتين.

القول الثانى:

          قتله طلباً لميراثه فإنه كان فقيراً (قول ابن عباس).

          ادرأتُم:  اختلفتم وتنازعتم.

نأخذ حكم:  فإن القاتل العمد لا يرث من الدية ولا من المال وكذلك لا يرث القاتل عمداً ولا خطاً شيئاً من المال ولا من الدية ، وهو قول شُريح – طاوس – الشعبى والنحفى.

          لماذا قيل ضربوه بلسانه؟   لأنه آله الكلام

          قيل باللسان – وقيل:  بعجب الذنب إذ فيه يُركب خلق الإنسان.

حديث:

          روى الترمذى عن عبدالله بن عمر قال:  قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب وإن أبعد الناس من الله القلب القاسى)  أخرجه الترمذى فى الزاهد.

الحديث (2):                (من لا يرحم لا يُرحم)

          قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:  (أربعة من الشقاء جمود العين وقساء القلب وطول الأمل والحرص على الدنيا).

          فإنه لا يمتنع أن يعطى بعض الجمادات المعرفة فيعقل.

          كالذى رُوى عن الجذع الذى كان يستند إليه رسول الله إذا خطب.

(2)     ثبت عن النبى – صلى الله عليه وسلم – أنه قال:  (إن حجراً كان يسلم علىً فى الجاهلية إنى لاعرفه الآن).

(3)     كما رُوى أن النبى – صلى الله عليه وسلم قال:  (قال ثبير (جبل من الجبال المباركة بمكة المكرمة) اهبط فإنى أخاف أن يقتلوك على ظهرى فيعذبنى الله).

(4)     فناداه حراء:  إلىً يا رسول الله (ذكره القاضى عياض فى كتاب الشفاء).

 

         



 

 

 

 

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً